للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصوم، مع ما ثبت أنه لم يصم الدهر، بل لم يصم شهراً كاملاً إلا رمضان، وبهذا يجاب عما رُوي عن عمر، وعائشة أنهما كانا يسردان الصوم.

واحتجّوا أيضاً بحديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -: "صم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر"، وفي حديث أبي أيوب - رضي الله عنه - مرفوعاً: "من صام رمضان، ثم أتبعه ستًّا من شوّال كان كصيام الدهر"، رواه مسلم. قالوا: والمشبّه به يكون أفضل من المشبه، فدلّ ذلك على أن صوم الدهر أفضل من هذه المشبهات، فيكون مستحبًّا، وهو المطلوب.

وتُعُقّب بأن التشبيه في الأمر المقدّر لا يقتضي جوازه، فضلاً عن استحبابه، وإنما المراد حصول الثواب على تقدير مشروعية صيام ثلاثمائة وستين يوماً، ومن المعلوم أن المكلّف لا يجوز له صيام جميع السنة، فلا يدلّ التشبيه على أفضلية المشبه به من كل وجه، كذا ذكره في "الفتح".

وقد بسط هذا الجواب ابن القيّم -رَحِمَهُ اللهُ- في "زاد المعاد"، فأجاد، وأفاد، حيث قال:

ولم يكن من هديه - صلى الله عليه وسلم - سرد الصوم، وصيام الدهر، بل قد قال: "من صام الدهر لا صام، ولا أفطر"، وليس مراده بهذا من صام الأيام المحرَّمة، فإنه ذَكَر ذلك جواباً من قال: أرأيت من صام الدهر؟، ولا يقال في جواب من فعل المحرم: لا صام ولا أفطر، فإن هذا يؤذن بأنه سواء فطره وصومه، لا يثاب عليه، ولا يعاقب، وليس كذلك من فعل ما حرم الله عليه من الصيام، فليس هذا جواباً مطابقاً للسؤال عن المحرّم من الصوم.

وأيضاً فإن هذا عند من استَحَبّ صوم الدهر قد فَعَل مستحبًّا وحراماً، وهو عندهم قد صام بالنسبة إلى أيام الاستحباب، وارتكب محرماً بالنسبة إلى أيام التحريم، وفي كل منهما لا يقال: لا صام ولا أفطر، فتنزيل قوله على ذلك غلطٌ ظاهرٌ.

وأيضاً فإن أيام التحريم مستثناة بالشرع، غير قابلة للصوم شرعاً، فهي بمنزلة الليل شرعاً، وبمنزلة أيام الحيض فلم يكن الصحابة ليسألوه عن صومها،