حقًّا، وأفطر الأيام المنهيّ عنها، وإلى هذا ذهب الجمهور، منهم: مالك، والشافعيّ، وأحمد في رواية.
قال مالك في "الموطأ": إنه سمع أهل العلم يقولون: لا بأس بصيام الدهر إذا أفطر الأيام التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيامها، وذلك أحبّ ما سمعت إلي في ذلك. انتهى.
وصرّح الزرقاني، وغيره من المالكية باستحبابه بالشروط المذكورة.
وقال النوويّ: مذهب الشافعي، وأصحابه أن سرد الصيام إذا أفطر العيدين، والتشريق، لا كراهة فيه، بل هو مستحبّ بشرط أن لا يلحقه به ضرر، ولا يفوّت حقًّا، فإن تضرَّر، أو فوّت حقًّا فمكروه. انتهى.
وقال ابن قُدامة: قال أبو الخطاب: إنما يكره إذا أدخل فيه يومي العيدين، وأيام التشريق؛ لأن أحمد قال: إذا أفطر يومي العيدين، وأيام التشريق رجوت أن لا يكون بذلك بأس، وروي نحو هذا عن مالك، وهو قول الشافعيّ؛ لأن جماعة من الصحابة كانوا يسردون الصوم، منهم أبو طلحة. قال ابن قدامة: والذي يَقوَى عندي أن صوم الدهر مكروه، وإن لم يصم هذه الأيام، فإن صامها فقد فعل محرّماً، وإنما كره صوم الدهر؛ لما فيه من المشقّة والضعف، وشبه التبتّل المنهيّ عنه؛ بدليل أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال لعبد الله بن عمرو:"إنك تصوم الدهر، وتقوم الليل؟ "، فقلت: نعم، قال:"إنك إذا فعلت ذلك هَجَمَت له عينك، ونَفِهَت له نفسك، لا صام من صام الدهر … " الحديث.
واحتجّ الجمهور على الاستحباب بما صحّ من حديث حمزة بن عَمْرو الأسلميّ - رضي الله عنه -، أنه قال: يا رسول الله، إني أسرد الصوم، أفأصوم في السفر؟ فقال:"إن شئت فصم"، فأقرّه - صلى الله عليه وسلم - على سرد الصيام، ولو كان مكروهاً لم يقرّه.
وأجيب عن هذا: أوّلاً بأن سؤال حمزة إنما كان عن صوم الفرض في السفر، لا عن صوم الدهر، كما سبق. وثانياً بأن سرد الصوم لا يستلزم صوم الدهر؛ لأن التتابع يصدق بدون صوم الدهر، بل المراد: إني أكثر الصوم، وكان هو كثير الصوم، كما ورد في بعض الروايات، ويؤيّد عدم الاستلزام ما أخرجه أحمد، والنسائيّ من حديث أسامة بن زيد أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يسرد