للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفيه أن الحكم لا ينبغي إلا بعد التثبّت؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكتف بما نُقل له عن عبد الله حتى لقيه، واستثبته فيه؛ لاحتمال أن يكون قال ذلك بغير عزم، أو عققه بشرط لم يطّلع عليه الناقل، ونحو ذلك. قاله في "الفتح" (١).

ثم إن الذى أخبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك هو عمرو بن العاص والد عبد الله - رضي الله عنهما -، كما بيّنته الرواية الأخرى.

(أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهْرَ، وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ؟! فَقُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيُّ اللهِ، وَلَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلَّا الْخَيْرَ) أي لم أرد به الرياء والسمعة، وإنما أردت به وجه الله تعالى (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("فَإِنَّ بِحَسْبِكَ) بإسكان السين المهملة؛ أي كافيك، والباء زائدة، ووقع عند البخاريّ في "كتاب الأدب" بلفظ: "وإن من حسبك" (أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) وفي رواية عند البخاريّ: "في كلّ شهر" (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ"، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ إِنِّي أطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: "فَإِنَّ لِزَوْجِكَ) أي امرأتك، وكونه بلا تاء أفصح من الزوجة، وقد تقدّم تحقيق هذا غير مرّة (عَلَيْكَ حَقاً) أي في وطئها، فإذا سرد الزوج الصوم، ووالى القيام في الليل ضَعُف عن أداء حقّها في ذلك (وَلزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا) - بفتح الزاي، وسكون الواو - أي لضيفك، والزَّوْر في الأصل مصدر وُضِع موضع الاسم، كصوْم في موضع صائم، ونَوْم في موضع نائم، ويقال للواحد والجمع والذكر والأنثى: زَوْرٌ، قال ابن التين: ويَحْتَمِل أن يكون زَوْرٌ جمعَ زائر، كرَكْب جمع راكب، وتَجْر جمع تاجر. انتهى.

زاد في الرواية الآتية من طريق حسين المعلم، عن يحيى: "وإن لولدك عليك حقًّا "، قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: فيه أن على الأب تأديبَ ولده، وتعليمه ما يحتاج إليه، من وظائف الدين، وهذا التعليم واجب على الأب، وسائر الأولياء قبل بلوغ الصبيّ والصبية، نَصّ عليه الشافعيّ وأصحابه، قال الشافعيّ، وأصحابه: وعلى الأمهات أيضاً هذا التعليم؛ إذا لم يكن أبٌ؛ لأنه من باب التربية، ولهنّ مَدْخل في ذلك، وأُجرة هذا التعليم في مال الصبيّ، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته؛ لأنه مما يحتاج إليه، والله أعلم. انتهى (٢).


(١) "الفتح" ٣/ ٣٥٠.
(٢) "شرح النوويّ" ٨/ ٤٣ - ٤٤.