للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَلجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا) أي بأن تخدمه، ولا تتعبه بطول السهر، وطول الجوع، ونحو ذلك، مما يُنهكه، ويُضعفه عن القيام بمصالح الدين والدنيا.

وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللهُ - عند قوله: "فإن لعينك حظًّا، ولنفسك حظًّا"؛ أي: من الرفق بهما، ومراعاة حقهما، وقد سَمَّى في الرواية الأخرى: الحظ: "حقاً"؛ إذ هو بمعناه، وزاد: "فإن لزوجك عليك حقًّا، ولزورك عليك حقًّا"، وفي لفظ آخر: "ولأهلك" مكان "ولزوجك".

وأما حق الزوجة فهو في الوطء، وذلك إذا سرد الصوم، ووالى القيام بالليل منعها بذلك حقها منه.

وأما حق الزَّوْر - وهو الزائر والضيف - فهو: القيام بإكرامه، وخدمته، وتأنيسه بالأكل معه.

وأما الأهل فيعني به هنا: الأولاد، والقرابة، وحقهم: هو في الرفق بهم، والإنفاق عليهم، ومؤاكلتهم، وتأنيسهم، وملازمة ما التزم من سرد الصوم، وقيام الليل يؤدي إلى امتناع تلك الحقوق كلها.

ويفيد: أن الحقوق إذا تعارضت قام الأولى. انتهى (١).

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - (فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) قال القرطبي -رَحِمَهُ اللهُ -: هكذا جاء في هذه الرواية سكت فيها عن المراتب التي ثبتت في الرواية الآتية بعد هذا، وذلك أن فيها نقلة من صيام ثلاثة أيام في الشهر إلى أربعة فيها، ومنها إلى صوم يومين وإفطار يومين، ثم منها إلى صوم يوم وإفطار يوم، وهذا محمول على أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - دَرَّجَه في هذه المراتب هكذا، لكن بعض الرواة سكت عن ذكر بعض المراتب إما نسياناً، أو اقتصاراً على قدر ما يحتاج إليه في ذلك الوقت، ثم في وقت آخر ذكر الحديث بكماله. انتهى (٢).

(فَإِنَّهُ كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ") قال القرطبي -رَحِمَهُ اللهُ -: إنما أحاله على صوم داود، ووصفه: بأنه كان أعبد الناس؛ لقوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: ١٧]، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "الأيد" هنا: القوة على العبادة،


(١) "المفهم" ٣/ ٢٢٥.
(٢) "المفهم" ٣/ ٢٢٥ - ٢٢٦.