للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَدِدْتُ وِدَادَةً لَوْ أَنَّ حَظِّي … مِنَ الخُلَّانِ أَنْ لا يَصْرِمُونِي

قال: وَوَدِدْتُه أَي: بالكسر أَوَدُّه أَي: بالفتح في المضارع فيهما، أَمَّا في المَكْسُور فعلى القِيَاس، وأَما المفتوح فعَلَى خِلَافِهِ، حكاه الكسائيُّ؛ إذ لا يُفْتَح إِلا الحَلْقِيُّ العَينِ أَو اللامِ، وكِلاهما مُنْتَفٍ هُنا، فلا وَجْهَ للفتْحِ، وهكذا في "المصباح".

قال أَبو منصور: وأَنكَر البَصرِيُّون "وَدَدْتُ" -أي: بالفتح- قال: وهو لَحْنٌ عندهم، وقال الزَّجَّاج: قد عَلِمْنَا أَنّ الكسائيَّ لم يَحْكِ وَدَدْتُ إِلَّا وقد سَمِعَه، ولكنّه سَمِعَه ممن لا يَكُونُ حُجَّةً.

قال شيخُنَا (١): وأَوْرَدَ المعنيينِ في "الفصيحِ" على أَنهما أَصْلَانِ حَقِيقَةً، وأَقَرَّه على ذلك شُرَّاحُه، وقال اليَزيديُّ في "نَوادره": وليس في شَيءٍ من العَربيّة "وَدَدْتُ" مفتوحةً، وقال الزمخشريُّ: قال الكسائيُّ وَحْدَهُ: "وَدِدْتُ" الرجُلَ: إِذا أَحْبَبْتَه، و"وَدَدْتُه" ولم يَرْوِ الفتحَ غيرُه، قلْت (٢): ونقلَ الفَتْحَ أَيضاً أَبو جَعْفَر اللّبلّي في "شرح الفصيح"، والقَزّاز في "الجامع"، والصاغانيّ في "التّكْملة" كلهم عن الفَرَّاءِ. انتهى (٣).

قال الجامع: قد أفاد ما سبق أن "وَدَدْتُ" بالفتح جائز أيضاً، وإن مخالفاً للقياس، فهو سماعيّ أثبته الكسائيّ، والفرّاء، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

(أَنِّي كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: تسهيله، وحثّه عليه.

وفي الحديث جواز تحدّث المرء بما عَزَم عليه من فعل الخير، وتفقد الإمام لأمور رعيته، كلياتها وجزئياتها، وتعليمهم ما يُصْلِحهم. وفيه تعليل الحكم من فيه أهلية ذلك، وأن الأولى في العبادة تقديم الواجبات على المندوبات، وأن من تَكَلَّف الزيادة على ما طُبع عليه يقع له الخلل في الغالب. وفيه الحضّ على ملازمة العبادة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - مع كراهته له التشديد على نفسه


(١) هو شيخ صاحب "التاج"، وهو المناويّ.
(٢) القائل صاحب "التاج".
(٣) "تاج العروس من جواهر القاموس" ٢/ ٥٢٩.