للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حَضّه على الاقتصاد، كأنه قال له: ولا يمنعك اشتغالك بحقوق مَن ذُكِر أن تُضَيِّع حق العبادة، وتترك المندوب جملةً، ولكن اجمع بينهما، قاله في "الفتح" (١).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى بيان مسائله، وأذكر هنا ما يتعلّق بجزء القراءة فقط، فأقول:

(مسألة): في اختلاف أهل العلم في مقدار مدّة ختم القرآن:

قال القرطبي -رَحِمَهُ اللهُ -: ذهب إلى منع الزيادة على السبع كثير من العلماء، واختار بعضهم قراءته في ثمان، وكان بعضهم يختم في خمس، وآخر في ست، وبعضهم يختم في كل ليلة، وكأن من لم يمنع الزيادة على السبع حَمَلَ قوله: "لا تزد" على أنه من باب الرفق، وخوف الانقطاع، فإن أَمِن ذلك جاز بناءً على أن ما كثر من العبادة والخير فهو أحب إلى الله.

قال: والأولى ترك الزيادة؛ أخذاً بظاهر المنع، واقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يُرْوَ عنه أنه ختم القرآن كله في ليلة، ولا في أقل من سبع (٢)، وهو أعلم بالمصالح والأجر، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فقد يعطي على القليل ما لا يعطي على الكثير، لا سيما وقد تبيّنت مصلحة القلة، والمداومة، وآفة الكثرة الانقطاع. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-، وهو بحث نفيسٌ.

وقال في "الفتح": قراءة القرآن في ثلاث هو اختيار أحمد، وأبي عبيد، وإسحاق ابن راهويه، وغيرهم، وثبت عن كثير من السلف أنهم قرؤوا القرآن في دون ذلك، قال النوويّ: والاختيار أن ذلك يختلف بالأشخاص، فمن كان من أهل الفهم، وتدقيق الفكر استُحبّ له أن يقتصر على القدر الذي لا يُخلّ به المقصود، من التدبّر، واستخراج المعاني، وكذا من كان له شغل بالعلم، أو غيره، من مهمات الدين، ومصالح المسلمين العامّة يستحبّ له أن يقتصر منه


(١) "الفتح" ٣/ ٥٦٢ كتاب "التهجّد" رقم (١١٥٣).
(٢) ورد من حديث عائشة - رضي الله عنها -: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان لا يختم الفرآن في أقلّ من ثلاث". أخرجه ابن سعد في "الطبقات"، وصححه الشيخ الألبانيّ -رَحِمَهُ اللهُ-، راجع: "السلسلة الصحيحة" ٥/ ٦٠٠.