بخلاف السهر إلى الصباح، وفيه من المصلحة أيضاً استقبال صلاة الصبح وأذكار النهار بنشاط وإقبال، وأنه أقرب إلى عدم الرياء؛ لأن من نام السدس الأخير أصبح ظاهر اللون، سليم القُوَى فهو أقرب إلى أن يَخْفَى عمله الماضي على من يراه، أشار إلى ذلك ابن دقيق العيد.
وحُكِيَ عن قوم أن معنى قوله:"أحب الصلاة" هو بالنسبة إلى من حاله مثل حال المخاطب بذلك، وهو من يَشُقّ عليه قيام أكثر الليل، قال: وعُمدة هذا القائل افتضاء القاعدة زيادة الأجر بسبب زيادة العمل، لكن يعارضه هنا اقتضاء العادة والجبلّة التقصير في حقوق يعارضها طول القيام، ومقدار ذلك الفائت مع مقدار الحاصل من القيام غير معلوم لنا، فالأولى أن يُجْرَى الحديثُ على ظاهره وعمومه، وإذا تعارضت المصلحة والمفسدة، فمقدار تأثير كل واحد منهما في الحثّ أو المنع غير محقَّق لنا، فالطريق أننا نُفَوِّض الأمر إلى صاحب الشرع، ونَجْرِي على ما دل عليه اللفظ، مع ما ذكرناه من قوة الظاهر هنا، والله أعلم. انتهى.
[تنبيه]: قال ابن التين -رَحِمَهُ اللهُ-: هذا المذكور إذا أجريناه على ظاهره، فهو في حقّ الأمة، وأما النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقد أمره الله تعالى بقيام أكثر الليل، فقال: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢)} [المزمل:
١ - ]. انتهى.
وتعقّبه الحافظ، فقال: وفيه نظر؛ لأن هذا الأمر قد نُسِخ، وقد تقدم في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: "فلما كان نصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل"، وهو نحو المذكور. انتهى.
والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى البحث فيه مستوفى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللهُ- المذكور أولَ الكتاب قال:
[٢٧٤٠]( … ) - (وَحَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنهما -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ،