بستة، ثم بتسعة، ثم باثني عشر، ثم بخمسة عشر، فالظاهر أنه أمره بالاقتصار على ثلاثة أيام من كلّ شهر، فلما قال: إنه يطيق أكثر من ذلك زاده بالتدريج إلى أن أوصله إلى خمسة عشر يوماً، فذكر بعض الرواة عنه ما لم يذكره الآخر، ويدلّ على ذلك رواية عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو عند أبي داود:"فلم يزل يناقصني، وأناقصه". انتهى (١).
وقد استُشكل قولُهُ:"صم من كلّ عشرة أيام يوماً، ولك أجر ما بقي" مع قوله: "صم من كل عشرة أيام يومين، ولك أجر ما بقي إلخ"؛ لأنه يقتضي الزيادة في العمل، والنقص من الأجر.
وأجيب بأن المراد: لك أجر ما بقي بالنسبة إلى التضعيف، قال عياض: قال بعضهم: معنى "صم يوماً، ولك أجر ما بقي" أي من العشرة، وقوله:"صم يومين، ولك أجر ما بقي" أي من العشرين، وفي الثلاثة ما بقي من الشهر، وحَمَله على ذلك استبعاد كثرة العمل، وقلّة الأجر.
وتعقّبه عياض بأن الأجر إنما اتحد في كلّ ذلك؛ لأنه كان نيته أن يصوم جميع الشهر، فلما منعه - صلى الله عليه وسلم - من ذلك إبقاءً عليه لما ذكر بقي أجر نيته على حاله، سواء صام منه قليلاً، أو كثيراً، كما تأوله في حديث:"نية المرء خير من عمله"؛ أي إن أجره في نيّته أكثر من أجر عمله؛ لامتداد نيّته بما لا يقدر على عمله. انتهى.
قال الحافظ: والحديث المذكور ضعيف، وهو في "مسند الشهاب"، والتأويل المذكور لا بأس به.
وَيحْتَمِل أيضاً إجراء الحديث على ظاهره، والسبب فيه أنه كلما ازداد من الصوم ازداد من المشقّة الحاصلة بسببه المقتضية لتفويت بعض الأجر الحاصل من العبادات التي قد يفوّتها مشقّة الصوم، فينقص الأجر باعتبار ذلك.
على أن قوله في نفس الخبر:"صم أربعة أيام، ولك أجر ما بقي" يردّ الحمل الأول، فإنه يلزم منه على سياق التأويل المذكور أن يكون التقدير: ولك أجر أربعين، وقد قيّده في نفس الحديث بالشهر، والشهر لا يكون أربعين.