حديث عائشة - رضي الله عنها -، كالتفسير له، فكأنه يقول:"يستحب أن تكون الأيام الثلاثة من سُرّة الشهر، وهي وسطه، وهذا مُتّفَقٌ على استحبابه، وهو استحباب كون الثلاثة هي أيام البيض، وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وقد جاء فيها حديث في كتاب الترمذيّ وغيره، وقيل: هي الثاني عشر، والثالث عشر، والرابع عشر، قال العلماء: ولعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يواظب على ثلاثة معينة؛ لئلا يُظَنّ تَعَيُّنها، ونبّه بسرة الشهر، وبحديث الترمذيّ في أيام البيض على فضيلتها. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ- (١).
وقال في "الفتح": "السَّرَر" بفتح السين المهملة، ويجوز كسرها، وضمها: جمع سَزَة، ويقال أيضًا: سِرَار بفتح أوله وكسره، ورجح الفراء الفتح، وهو من الاستسرار، قال أبو عبيد: والجمهور على أن المراد بالسرر هنا آخر الشهر، سُمِّيت بذلك؛ لاستسرار القمر فيها، وهي ليلة ثمان وعشرين، وتسع وعشرين، وثلاثين، ونَقَل أبو داود، عن الأوزاعيّ، وسعيد بن عبد العزيز أن سرره أوله، ونَقَل الخطابيّ عن الأوزاعيّ كالجمهور، وقيل: السَّرَر وسط الشهر، حكاه أبو داود أيضًا، ورجحه بعضهم، ووجَّهَه بأن السرر جمع سُرّةٍ، وسُرّة الشيء وسطه، ويؤيده الندب إلى صيام البيض، وهي وسط الشهر، وأنه لم يَرِد في صيام آخر الشهر ندب، بل ورد فيه نهي خاصّ، وهو آخر شعبان من صامه لأجل رمضان، ورجحه النوويّ بأن مسلماً أفرد الرواية التي فيها سُرّة هذا الشهر عن بقية الروايات، وأردف بها الروايات التي فيها الْحَضّ على صيام البيض، وهي وسط الشهر، كما تقدّم، قال الحافظ: لكن لم أره في جميع طرق الحديث باللفظ الذي ذكره، وهو سُرّةُ، بل هو عند أحمد من وجهين بلفظ: "سِرَار"، وأخرجه من طُرُق عن سليمان التيميّ، في بعضها سَرَر، وفي بعضها سِرار، وهذا يدلّ على أن المراد آخر الشهر.
[تنبيه]: زاد البخاريّ بعد قوله: "أما صُمتَ سَرَر هذا الشهر؟ " ما نضه: قال: أظنّه يعني رمضان، قال في "الفتح": هذا الظن من أبي النعمان؛ لتصريح البخاريّ في آخره بأن ذلك لم يقع في رواية أبي الصَّلْت، وكان ذلك وقع من