للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مفسدةً، وهي أنه ربما اعتقد السائل وجوبه، أو استقلّه، أو اقتصر عليه، وكان يقتضي حاله أكثر منه، وإنما اقتصر عليه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لشغله بمصالح المسلمين، وحقوقهم، وحقوق أزواجه، وأضيافه، والوافدين إليه؛ لئلا يقتدي به كل أحد، فيؤدى إلى الضرر في حق بعضهم، وكان حق السائل أن يقول: كم أصوم؟ أو كيف أصوم؟ فيَخُصّ السؤال بنفسه؛ ليجيبه بما تقتضيه حاله، كما أجاب غيره بمقتضى أحوالهم؛ والله أعلم، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ- (١).

قال القاري -رَحِمَهُ اللهُ-: وأيضاً لم يكن صومه - صلى الله عليه وسلم - على منوال واحد، بل كان يختلف باختلاف الأحوال، فتارة يُكثر الصوم، وتارة يُقِلّه، ومثل هذا الحال لا يمكن أن يَدخُل تحت المقال، فيتعذر جواب السؤال، ولذا وقع لجماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - أنهم سألوا عن عبادته لله تعالى، فتقالُّوها، فبلغة ذلك، فاشتَدّ غضبه عليهم، وقال: "أنا أتقاكم لله، وأخوفكم منه" يعني ولا يلزم منه كثرة العبادة، بل حسنها، ومراعاة شرائطها، وحقائقها ودقائقها، وتقسيمها في أوقاتها اللائقة بها. انتهى (٢).

(فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ) بن الخطّاب (غَضَبَهُ) - صلى الله عليه وسلم - على السائل، وخاف من دعائه - صلى الله عليه وسلم - عليه خاصّةً، ومن السراية على غيره عامّةً؛ لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: ٢٥] (قَالَ) اعتذاراً إليه، واسترضاء منه (رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإسْلَامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ) - صلى الله عليه وسلم - (نَبِيًّا) قال القاري: المنصوبات تمييزات، ويمكن أن تكون حالات مؤكدات (نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ غَضَبِ اللهِ، وَعضَبِ رَسُولِهِ) - صلى الله عليه وسلم - وذكرُ غضب الله تزيين للكلام، وتعيين بأن غضبه تعالى يوافق غضبه - صلى الله عليه وسلم - (فَجَعَلَ عُمَرُ يُرَدّدُ) أي يكرّر (هَذَا الْكَلَامَ) أي قوله: "رضينا بالله ربّا … إلخ " (حَتَّى سَكَنَ غَضَبُهُ) - صلى الله عليه وسلم - (فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ؟) أي كيف حاله؛ أي هل هو محمود، أو مذموم؟ قال القاري -رَحِمَهُ اللهُ-: انظر حسن الأدب حيث بدأه بالتعظيم، ثم سأل السؤال على وجه التعميم، ولذا قيل: حُسْنُ السؤال نصف العلم. انتهى.

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("لَا صَامَ، وَلَا أَفْطَرَ") أي لا صام صوماً فيه كمال الفضيلة،


(١) "شرح النوويّ" ٨/ ٥٠.
(٢) "مرقاة المفاتيح" ٤/ ٤٧٢.