للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هنا في "صحيحه"، محتجًّا به، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم صوم ستّ من شوّال:

(اعلم): أنهم اختلفوا في ذلك، قال الإمام الترمذيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وقد استَحَبّ قوم صيام ستة أيام من شوال بهذا الحديث، قال ابن المبارك: هو حسنٌ، هو مثل صيام ثلاثة أيام من كل شهر، قال ابن المبارك: ويروى في بعض الحديث، ويُلْحَق هذا الصيام برمضان، واختار ابن المبارك أن تكون ستة أيام في أول الشهر، وقد رُوي عن ابن المبارك أنه قال: إن صام ستة أيام من شوال متفرقاً فهو جائز. انتهى (١).

وقال ابن رشد -رَحِمَهُ اللهُ-: وأما الست من شوال، فإنه ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صام رمضان، ثم أتبعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر"، إلا أن مالكاً كَرِه ذلك، إما مخافة أن يُلْحِق الناسُ برمضان ما ليس في رمضان، وإما لأنه لعله لم يبلغه الحديث، أو لم يصح عنده، وهو الأظهر. انتهى (٢).

وقال الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وقد استُدِلّ بأحاديث الباب على استحباب صوم ستة أيام من شوال، وإليه ذهب الشافعيّ، وأحمد، وداود، وغيرهم، وقال أبو حنيفة، ومالك: يكره صومها، واستدلا على ذلك بأنه ربما ظُنّ وجوبها، وهو باطل، لا يليق بعاقل، فضلًا عن عالم نَصْبُ مثله في مقابلة السنة المحيحة الصريحة، وأيضاً يلزم مثل ذلك في سائر أنواع الصوم المرغَّب فيها، ولا قائل به.

قال: واستَدَلّ مالك على الكراهة بما قال في "الموطأ" من أنه ما رأى أحداً من أهل العلم يصومها، ولا يخفى أن الناس إذا تَرَكُوا العمل بسنة لم يكن تركهم دليلاً تُرَدّ به السنة. انتهى كلام الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (٣)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ.


(١) "جامع الترمذيّ" ٣/ ٢٢٧.
(٢) "بداية المجتهد" ١/ ٢٢٥.
(٣) "نيل الأوطار" ٤/ ٣٢٢.