وقال الإمام أبو عمر بن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وذَكَر مالك في صيام ستة أيام بعد الفطر أنه لم ير أحداً من أهل العلم والفقه يصومها، قال: ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وإن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأن يُلْحِق برمضان ما ليس منه أهلُ الجهالة والجفاء لو رأوا في ذلك رخصةً عند أهل العلم، ورأوهم يعملون ذلك.
قال أبو عمر: في هذا المعنى عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حديث انفرد به عُمَر بن ثابت، عن أبي أيوب الأنصاريّ، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"من صام رمضان، وأتبعه بست من شوال، فكأنه صام الدهر".
قال أبو عمر: انفرد بهذا الحديث عمر بن ثابت الأنصاريّ، وهو من ثقات أهل المدينة.
قال أبو حاتم الرازيّ: عمر بن ثابت الأنصاريّ سمع أبا أيوب الأنصاريّ، روى عنه الزهريّ، وصفوان بن سليم، وصالح بن كيسان، ومالك بن أنس، وسعد، وعبد ربه ابنا سعيد.
قال أبو عمر: وحديث ثوبان يَعْضُد حديثَ عُمر بن ثابت هذا، ثم ساق حديث ثوبان بسنده.
قال أبو عمر: لم يبلغ مالكاً حديث أبي أيوب، على أنه حديث مدنيّ، والإحاطة بعلم الخاصّة لا سبيل إليه، والذي كَرِهه له مالك أَمْرٌ قد بَيَّنه، وأوضحه، وذلك خشية أن يُضاف إلى فرض رمضان، وأن يستبين ذلك إلى العامة، وكان -رَحِمَهُ اللهُ- متحفظاً كثير الاحتياط للدين.
وأما صيام الستة الأيام من شوال على طلب الفضل، وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان - رضي الله عنه -، فإن مالكاً لا يكره ذلك - إن شاء الله - لأن الصوم جُنّةٌ، وفضله معلوم من ردّ طعامه وشرابه وشهوته لله تعالى، وهو عمل بِرّ وخير، وقد قال الله:{وَافْعَلُوا الْخَيْرَ}[الحج: ٧٧]، ومالك لا يَجهل شيئاً من هذا، ولم يكره من ذلك إلا ما خافه على أهل الجهالة والجفاء إذا استمر ذلك، وخَشِي أن يَعُدُّوه من فرائض الصيام مضافًا إلى رمضان، وما أظنّ مالكاً جَهِل الحديث - والله أعلم - لأنه حديث مدنيّ انفرد به عُمر بن ثابت، وقد قيل: إنه روى عنه مالك، ولولا علمه به ما أنكره، وأظنّ الشيخ عمر بن ثابت لم يكن