للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والمعنى أنها ذات قدر؛ لنزول القرآن فيها، أو لما يقع فيها من تنزّل الملائكة، أو لما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة، أو أن الذي يُحييها يصير ذا قدر، وقيل: القدر هنا التضييق، كقوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: ٧]، ومعنى التضييق فيها إخفاؤها عن العلم بتعيينها، أو لأن الأرضِ تضيق فيها عن الملائكة، وقيل: القدر هنا بمعنى القدَر - بفتح الدال - الذي هو مؤاخي القضاء، والمعنى أنه يُقَدَّر فيها أحكام تلك السنة؛ لقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤)} [الدخان: ٤]، وبه صدَّر النووي كلامه السابق، ورواه عبد الرزاق وغيره من المفسرين بأسانيد صحيحة عن مجاهد، وعكرمة، وقتادة، وغيرهم.

وقال التوربشتيّ: إنما جاء القدر - بسكون الدال - وإن كان الشائع في القدَر الذي هو مؤاخي القضاء فتح الدال؛ ليعلم أنه لم يُرَد به ذلك، وإنما أريد به تفصيل ما جَرى به القضاء، وإظهاره، وتحديده في تلك السنة؛ لتحصيل ما يُلقى إليهم فيها مقداراً بمقدار. انتهى (١).

وقال وليّ الدين -رَحِمَهُ اللهُ-: ليلة القدر - بفتح القاف، وإسكان الدال، ويجوز فتحها كما سأبيّنه - سُمّيت بذلك؛ لعظم قدرها؛ لما لها من الفضائل؛ أي ذات القدر العظيم، أو لما يَحْصُل لمحييها بالعبادة من القدر العظيم، أو لأن الأشياء تقدَّر فيها، وتُقْضَى، أقوال.

قال: ويؤيد الأوَّلَين قوله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣)} [القدر: ٣]، ويؤيد الأخير قوله: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤)} [القدر: ٤]، وقوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤)} [الدخان: ٤]، وإنما جَوَّزت فتح الدال؛ لأنها إن كانت سميت بذلك لعظم قدرها، فقد قال في "الصحاح" (٢): قَدْرُ الشيءِ مَبْلَغُهُ، وقَدَرُ اللهِ، وقَدْرُه بمعنى، وهو في الأصل مصدر، وقال تعالى: {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الحج: ٧٤]؛ أي ما عظموا الله حق تعظيمه، وإن كان من التقدير، فقد قال في "الصحاح" عقبه: والقَدَرُ والقَدْرُ أيضاً ما يُقَدّره الله من القضاء، وأنشد الأخفش [من الطويل]:

أَلَا يَا لَقَوْمِي لِلنَّوَائِبِ وَالْقَدْرِ … وَللأَمْرِ يَأْتِي الْمَرْءَ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي


(١) "الفتح" ٥/ ٤٥١ - ٤٥٢.
(٢) "الصحاح" ٢/ ٦٧٢.