وكذا قال في "المحكم": القَدَر والْقَدْر: القضاء. انتهى.
وقال ابن العربيّ في "شرح الترمذيّ": هي ليلة القَدْر والقَدَر، فأما الأول فالمراد به الشرف، كقولهم: لفلان قَدْرٌ في الناس، يَعْنُون بذلك مزيةً وشرفاً، والثاني القَدَر بمعنى التقدير، قال الله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤)}، قال علماؤنا: يُلقي الله فيها لملائكته ديوان العام. انتهى.
وهو يوهم أنه لا يجوز مع تسكين الدال إرادة التقدير، وليس كذلك، كما علمتَ، وقد جَوَّز المفسرون في الآية إرادة الشرف والتقدير، مع كونه لم يُقْرَأ إلا بالإسكان، وجزم الهرويّ، وابن الأثير في تفسيرها بالتقدير، فقالا: وهي الليلة التي تُقَدَّر فيها الأرزاق، وتُقْضَى، وصححه النوويّ، فقال في "شرح المهذب": سُمِّيت ليلة القدر؛ أي ليلة الحكم والفصل، هذا هو الصحيح المشهور، وحكاه في "شرح مسلم" عن العلماء. انتهى كلام وليّ الدين -رَحِمَهُ اللهُ- (١)، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في محلّ ليلة القدر:
قال في "الفتح": قد اختَلَف العلماء في ليلة القدر اختلافاً كثيراً، وتحصّل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قولاً، كما وقع لنا نظير ذلك في ساعة الجمعة، وقد اشتركتا في إخفاء كل منهما؛ ليقع الجدّ في طلبهما:
[القول الأول]: أنها رُفِعت أصلاً ورأساً، حكاه المتولي في "التَّتِمّة" عن الروافض، والفاكهانيّ في "شرح العمدة" عن الحنفية، وهو خطأ منه، والذي حكاه السروجيّ أنه قول الشيعة، وقد رَوَى عبد الرزاق، من طريق داود بن أبي عاصم، عن عبد الله بن يُحَنَّس، قلت لأبي هريرة: زعموا أن ليلة القدر رُفعت، قال: كَذَب من قال ذلك، ومن طريق عبد الله بن شريك قال: ذَكَر الحجاج ليلة القدر، فكأنه أنكرها، فأراد زِرّ بن حُبيش أن يحصبه فمنعه قومه.
[الثاني]: أنها خاصة بسنة واحدة، وقعت في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حكاه الفاكهانيّ أيضاً.
[الثالث]: أنها خاصّة بهذه الأمة، ولم تكن في الأمم قبلهم، جزم به ابن