للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله عنه: لقد أجاد الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ - وأفاد في جمع هذه الأقوال، وبيان أدلّتها، ثم رجّح أخيرًا ما رآه راجحًا بدليله، والذي أراه راجحًا عندي هو ما ذهب إليه الجمهور من أن أرجاها ليلة سبع وعشرين؛ لقوّة حجته، فتأمل، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم هل لليلة القدر علامة أم لا؟:

(اعلم): أنهم اختلفوا هل لها علامة تَظْهَر لمن وُفِّقت له أم لا؟ فقيل: يُرَى كلّ شيء ساجدًا، وقيل: الأنوار في كلّ مكان ساطعة حتى في المواضع المظلمة، وقيل: يَسمع سلامًا أو خطابًا من الملائكة، وقيل: علامتها استجابة دعاء من وُفِّقت له، واختار الطبريّ أن جميع ذلك غير لازم، وأنه لا يشترط لحصولها رؤية شيء، ولا سماعه.

واختلفوا أيضًا، هل يحصل الثواب المرتب عليها لمن اتَّفَق له أنه قامها، وإن لَمْ يظهر له شيء، أو يتوقف ذلك على كشفها له؟ وإلى الأول ذهب الطبريّ، والمهلب، وابن العربيّ، وجماعة، وإلى الثاني ذهب الأكثر، ويدلّ له ما وقع عند مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ: "من يقم ليلة القدر، فيوافقها"، وفي حديث عبادة عند أحمد: "من قامها إيمانًا واحتسابًا، ثم وُفقت له"، قال النوويّ: معنى يوافقها: أي يعلم أنَّها ليلة القدر، فيوافقها. وَيحْتَمِل أن يكون المراد يوافقها في نفس الأمر، وإن لَمْ يعلم هو ذلك.

قال الجامع عفا الله عنه: الاحتمال الثاني هو الأظهر، فتأمل، والله تعالى أعلم.

وفي حديث زِرّ بن حُبيش عن ابن مسعود قال: من يقم الحول يصب ليلة القدر، قال الحافظ: وهو مُحْتَمِل للقولين أيضًا، وقال النوويّ أيضًا في حديث: "من قام رمضان"، وفي حديث: "من قام ليلة القدر": معناه من قامه، ولو لَمْ يوافق ليلة القدر حصل له ذلك، ومن قام ليلة القدر فوافقها حصل له، وهو جار على ما اختاره من تفسير الموافقة بالعلم بها، قال الحافظ: وهو الذي يترجح في نظري، ولا أنكر حصول الثواب الجزيل لمن قام لابتغاء ليلة القدر، وإن لَمْ يعلم بها، ولو لَمْ توفق له، وإنما الكلام على حصول الثواب المعين