للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أي خاضعةً، و"الأُكْم": الجبال الصغار، جعلها سُجّدًا للحوافر؛ لقهر الحوافر إياها، وأنها لا تمتنع عليها، يعني أن الحوافر تطأ الأرض، فتجعل تأثُّر الأُكْم للحوافر سُجُودًا، وقال آخر [من المتقارب]:

فُضُولَ أَزِمَّتِهَا أَسْجَدَتْ … سُجُودَ النَّصَارَى لأَحْبَارِهَا

وقال: قال أبو عُبيدة: وأنشدني أعرابيّ من بني أسد:

وَقُلْنَ لَهُ أَسْجِدْ لِلَيْلَى فَأَسْجَدَا

يعني أن البعير طأطأ رأسه لأجلها، ودَرَاهِمُ الأَسجاد دراهمُ عليها صُوَرٌ كانوا يسجدون لها، قال الشاعر [من الكامل]:

مِنْ خَمْرِ ذِي نُطَفٍ أَغَنَّ مُنَطَّقٍ … وَافَى بِهَا كَدَرَاهِمِ الأَسْجَادِ (١)

ويُطلق السجود أيضَّا عَلى الميل، يقال: سجدت النخلة: أي مالت، وسجدت الناقة: طأطأت رأسها، قال ابن السكّيت: أسجد الرجل: إذا طأطأ رأسه، وسجد: إذا وضع جبهته في الأرض، وقال ابن دُريد: أصل السجود: إدامة النظر مع إطراق إلى الأرض.

قال القرطبيّ: والحاصل أن أصل السجود: الخضوع، وسُمّيت هذه الأحوال سُجودًا؛ لأنها تُلازم الخضوع غالبًا، ثم قد صار في الشرع عبارةً عن وضع الجبهة على الأرض على نحوٍ مخصوص، والسجود المذكور في هذا الحديث هو سجود التلاوة؛ لقوله: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد". انتهى (٢).

(اعْتَزَلَ) بالبناء للفاعل، قال الطيبيّ رحمه الله تعالى: أي تباعد، وكلُّ من عَدَلَ إلى جانب، فهو معتزل، ومنه سُمّيت الْفِرْقَةُ الْعَدْليّة معتزلةً، ورُوي أن الحسن البصريّ رحمه الله تعالى كان يُقرّر يومًا مع أصحابه مسألةً من الأصول، فاعترض عليه جماعة من أصحابه، فلَمّا قام الحسن من مجلسه اعتزل المعترضون إلى ناحية يُقرِّرون تلك المسألة على خلاف قول الحسن، فلما عاد الحسن ورآهم جالسين في ناحية قال: من المعتزلة؟، وفي رواية: فلما تكرّر


(١) "الدرّ المصون في علوم الكتاب المكنون" ١/ ٢٧٤ - ٢٧٥.
(٢) "المفهم" ١/ ٢٧٣.