وقوله:"فرُفعت" أي فرُفع تعيينها عن ذكري، هذا هو المعتمد هنا.
والسبب فيه ما أوضحه مسلم، من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - في هذه القصّة، قال:"فجاء رجلان يَحْتَقّان - بتشديد القاف؛ أي يَدّعِي كلٌّ منهما أنه الْمُحِق - معهما الشيطان، فنسيتها".
قال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: فيه دليل على أن المخاصمة مذمومةٌ، وأنها سبب في العقوبة المعنوية؛ أي: الحرمان، وفيه أن المكان الذي يحضره الشيطان تُرفَع منه البركة والخير.
[فإن قيل]: كيف تكون المخاصمة في طلب الحق مذمومةً؟.
[قلت]: إنما كانت كذلك؛ لوقوعها في المسجد، وهو محل الذكر، لا اللغو، ثم في الوقت المخصوص أيضًا بالذكر، لا اللغو، وهو شهر رمضان، فالذمّ لِمَا عَرَضَ فيها، لا لذاتها، ثم إنها مستلزمة لرفع الصوت، ورفعه بحضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهي عنه؛ لقوله تعالى:{لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} إلى قوله تعالى: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}[الحجرات: ٢]. انتهى (١).
وقوله:(فَنُسِّيتُهَا) بضمّ النون، وتشديد السين، مبنيّا للفاعل، وفي بعض النسخ:"فَنَسِيها" بفتح النون، وكسر السين المخفّفة.
وقوله:(قُلْتُ: مَا التَّاسِعَةُ … إلخ) أي هل هي تاسعة ما مضي، أو تاسعة ما بقي؟ فهذا وجه السؤال، وهو ظاهر في التاسعة، والسابعة، وأما الخامسة فهي متعينةٌ، ومُحَصَّلُ ما أجاب به أبو سعيد - رضي الله عنه - أن المراد بالعدد تاسعة ما بقي من الليالي، وسابعته، وخامسته، وعند البخاريّ من حديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما -: "في تاسعة تبقي، في سابعة تبقي، في خامسة تبقى".
وفي حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - عنده أيضًا:"فالتمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة".
قال في "الفتح": قوله: "فالتمسوها في التاسعة … إلخ" يَحْتَمِل أن يريد بالتاسعة تاسع ليلة من العشر الأخير، فتكون ليلة تسع وعشرين، وَيحْتَمل أن يريد بها تاسع ليلة تبقى من الشهر، فتكون ليلة إحدى، أو اثنين بحسب تمام