للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ) ببناء الفعل للمفعول (فَسَجَدَ) أي امتثالًا لأمر الله سبحانه وتعالى له (فَلَهُ الْجَنَّةُ) أي جزاءً على امتثاله لأمره.

(وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ) ببناء الفعل للمفعول أيضًا، أي أمرني الله تعالى بالسجود لآدم عليه السلام مع الملائكة الكرام عليهم السلام (فَأَبَيْتُ) أي امتنعتُ من فعل ما أُمرتُ به، قال الفيّوميّ رحمه الله تعالى: أَبَى الرجلُ يَأْبَى إِباءً بالكسر والمدّ، وإباءةً: امتنع، فهو آبٍ، وأَبيٌّ على فاعل، وفَعِيل، وتأبّى مثله، وبناؤه شاذٌّ؛ لأن باب فَعَلَ يَفْعَلُ - بفتحتين - يكون حلقيَّ العين أو اللام، ولم يأت من حلقيّ الفاء إلا أبي يأبَى، وعضَّ يَعَضُّ في لغة، وأثّ الشعرُ يَأَثُّ: إذا كثُر والْتَفَّ، وربما جاء في غير ذلك، قالوا: وَدّ يودّ في لغة، وأما لغةُ طيّئ في باب نَسِيَ يَنْسَ إذا قلبوا، وقالوا: نَسَى يَنْسَى، فهو تخفيف. انتهى (١).

وقد حَكى ابن سِيدهْ عن قومٍ: أَبِيَ يَأْبَى، كنَسِيَ يَنْسَى، وحكى ابن جني وصاحب "القاموس": أَبَى يَأْبِي، كضرب يضرب، فعلى هذا يجوز أن يكون أَبَى يَأْبَى - بالفتح فيهما - من باب تداخل اللغتين، أي أن المتكلِّم بالفتح فيهما أخذ الماضي من لغةٍ والمضارع من لغةٍ. انتهى (٢).

وقال السمين الحلبيّ رحمه الله تعالى: "الإباء": الامتناع، قال الشاعر [من الطويل]:

وَإِمَّا أَنْ يَقُولُوا قَدْ أَبَيْنَا … وَشَرُّ مَوَاطِنِ الْحَسَبِ الإِبَاءُ

قال: والمشهور أَبَى يَأْبَى بالفتح فيهما، وكان القياس كسر عين المضارع، ولذلك اعتبره بعضهم، فكسر حرف المضارعة، فقال: تِئْبِي، ونِئْبِي، وقيل: لَمّا كانت الألف تُشبه حروف الحلق فُتِح لأجلها عين المضارع، وقيل: أَبَى يَأْبَى، بالفتح فيهما، وكان القياس كسر عين المضارع، ونُقل أَبِيَ يأبَى بكسرها في الماضي وفتحها في المضارع، وهذا قياسٌ، فيحتَمِلُ أن يكون مَن قال: أَبَى يَأْبَى - بالفتح فيهما - استَغنَى بمضارع مَن قال: أَبِيَ بالكسر، ويكون من التداخل، نحوُ رَكِنَ يَرْكَنُ وبابِهِ. انتهى كلام السمين باختصار (٣).


(١) "المصباح المنير" ١/ ٣.
(٢) منقول من هامش "المصباح" ١٣.
(٣) "الدرّ المصون في علوم الكتاب المكنون" ١/ ٢٧٧.