للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ليوسف عليه السلام، وقيل: لله سبحانه وتعالى، والهاء في {لَهُ} عائدة عليه تعالى.

وقيل: أمرهم الله تعالى بالسجود لآدم عليه السلام؛ ليَظْهَر فضله عليهم؛ إذ ظنّت الملائكة أنه لا يَفْضُلهم أحدٌ، وقيل: هو معنى قوله تعالى: {وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: ٣٣] ذُكِر هذا عن قتادة، فلما خَلَق الله تعالى آدم عليه السلام، وعلّمه أسماء ما لم يعلموه، بان لهم أنه أعلم منهم، فلما أمرهم بالسجود له، بان فضله عليهم. انتهى (١).

وقال أبو عبد الله القرطبيّ في "تفسيره": اختَلَفَ الناسُ في كيفية سجود الملائكة لآدم عليه السلام بعد اتّفاقهم على أنه لم يكن سجود عبادة، فقال الجمهور: كان هذا أمرًا للملائكة بوضع الجباه على الأرض، كالسجود المعتاد في الصلاة؛ لأنه الظاهر من السجود في العرف والشرع، وعلى هذا قيل: كان ذلك السجود تكريمًا لآدم، وإظهارًا لفضله، وطاعةً لله تعالى، وكان آدم كالقبلة لنا، ومعنى {لِآدَمَ} إلى آدم، كما يقال: صَلِّ للقبلة، أي إلى القبلة، وقال قوم: لم يكن هذا السجود المعتاد اليوم الذي هو وضع الجبهة على الأرض، ولكنه مُبْقًى على أصل اللغة فهو من التذلّل والانقياد، أي اخْضَعُوا لآدم، وأَقِرُّوا له بالفضل، فسجدوا، أي امتثلوا ما أمروا به.

واختُلِفَ أيضًا هل كان ذلك السجود خاصًّا بآدم عليه السلام، فلا يجوز السجود لغيره من جميع العالم، إلا لله تعالى، أم كان جائزًا بعد إلى زمان يعقوب عليه السلام؛ لقوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف: ١٠٠]، فكان آخر ما أبيح من السجود للمخلوقين؟ والذي عليه الأكثر أنه كان مباحًا إلى عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن أصحابه قالوا له حين سجدت له الشجرة والجمل: نحن أولى بالسجود لك من الشجرة والجمل الشارد، فقال لهم: "لا ينبغي أن يُسْجَد لأحد إلا لله رب العالمين"، روى ابن ماجهْ في "سننه"، والبستي في "صحيحه" عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: لما قَدِمَ معاذ من الشام، سجد للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما هذا يا معاذ؟ " قال: أتيت الشام، فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فَوَدِدتُ في نفسي أن نفعل ذلك بك، فقال


(١) "إكمال المعلم" ١/ ٣٨٩ - ٣٩٠.