للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ما أظنهنّ يُرِدن البرّ، وقد يجوز أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كَرِه لأزواجه الاعتكاف؛ لشدة مؤنته؛ لأن ليله ونهاره سواء. انتهى (١).

وقال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "آلبرّ تُردن؟ " هذا الكلام إنكار لفعلهنّ، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - أَذِن لبعضهنّ في ذلك، كما رواه البخاريّ، قال: وسبب إنكاره أنه خاف أن يكنّ غير مخلصات في الاعتكاف، بل أردن القرب منه لغيرتهن عليه، أو لغيرته عليهنّ، فكره ملازمتهنّ المسجد، مع أنه يجمع الناس، ويحضره الأعراب والمنافقون، وهنّ محتاجات إلى الخروج والدخول؛ لما يَعْرِض لهنّ، فيُبتذَلْنَ بذلك، أو لأنه - صلى الله عليه وسلم - رآهنّ عنده، وهو في المسجد، فصار كأنه في منزلة بحضوره مع أزواجه، وذهب المهمّ من مقصود الاعتكاف، وهو التخلي عن الأزواج، ومتعلقات الدنيا، وشبه ذلك، أو لأنهنّ ضيّقن المسجد بأبنيتهنّ. انتهى (٢).

(فَأَمَرَ) بالبناء للفاعل؛ أي: أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (بِخِبَائِهِ) أي: بتقويض خبائه (فَقُوِّضَ) بضم القاف وتشديد الواو المكسورة بعدها ضاد معجمة، مبنيًّا للمفعول؛ أي: نُقِضَ (وَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ) وكأنه - صلى الله عليه وسلم - خَشِي أن يكون الحامل لهنّ على ذلك المباهاة، والتنافس، الناشئ عن المغيرة حرصًا على القرب منه - صلى الله عليه وسلم - خاصّةً، فيخرج الاعتكاف عن موضوعه، أو لَمّا أَذِن لعائشة وحفصة أَوّلًا كان ذلك خفيفًا بالنسبة إلى ما يُفضي إليه الأمر من توارد بقية النسوة على ذلك، فيضيق المسجد على المصلين، أو بالنسبة إلى أن اجتماع النسوة عنده يصيره كالجالس في بيته، وربما شغلنه عن التخلي لما قصد من العبادة، فيفوت مقصود الاعتكاف (٣).

(حَتَّى اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ شَوَّالٍ) وفي رواية الأوزاعيّ عند البخاريّ: "فرجع، فلما أفطر اعتكف"، وفي رواية ابن فضيل: "فلم يعتكف في رمضان، حتى اعتكف في آخر العشر من شوال".

قال في "الفتح": ويُجمع بين الروايتين بأن المراد بقوله: "آخر العشر من


(١) "الاستذكار" ٣/ ٣٩٧.
(٢) "إكمال المعلم" ٤/ ١٥٥.
(٣) "الفتح" ٥/ ٤٨٣.