سلّمنا أنه ذُمّ على ترك السجود، لكن لا نسلّم أن السجود نوع واحدٌ، فقد قال بعض المفسّرين: إن السجود الذي أمر الله تعالى به الملائكة إنما كان طأطأة الرأس لآدم عليه السلام تحيّةً له، وسجود التلاوة وضع الجبهة بالأرض على كيفيّة مخصوصة.
سلّمنا أنه نوع واحدٌ، لكن منقسمٌ بالإضافة، ومتغايرٌ بها، فيصحّ أن يؤمر بأحدها، ويُنهَى عن الآخر، كما يؤمر بالسجود لله تعالى، ويُنهى عن السجود للصنم، فما أُمر به الملائكة من السجود لآدم مُحَرَّم على ذرّيّته، كما قد حُرِّم ذلك علينا، وكيف يُستدلّ بوجوب أحدهما على وجوب الآخر (١)، وسيأتي تحقيق القول في ذلك في أبواب سجود القرآن - إن شاء الله تعالى -.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم تارك الصلاة:
ذهب الإمامان: مالك والشافعيّ رحمهما الله تعالى، والجماهير من السلف والخلف إلى أنه لا يَكْفُر، بل يَفْسُقُ، ويستتاب، فإن تاب، وإلا قتلناه حدًّا، كالزاني المحصن، ولكنه يُقْتَل بالسيف.
وذهب جماعة من السلف إلى أنه يَكْفُر، وهو مرويّ عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وبه قال عبد الله بن المبارك، وإسحاق ابن راهويه، وهو وجه لبعض أصحاب الشافعيّ رحمه الله تعالى.
وذهب أبو حنيفة، وجماعة من أهل الكوفة، والْمُزَنيّ، صاحب الشافعيّ رحمهم الله تعالى إلى أنه لا يَكْفُر، ولا يُقْتَل، بل يُعَزَّر، ويُحبَس، حتى يُصلي.
واحتَجَّ من قال بكفره بظاهر الحديث الثاني المذكور، وبالقياس على كلمة التوحيد.
واحتج من قال: لا يقتل، بحديث:"لا يحلّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث … " الحديث، وليس فيه الصلاة.
واحتج الجمهور على أنه لا يَكْفُر بقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨]، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال: لا إله