المسلمين مُدّةً يبلغه فيها وجوب الصلاة عليه، وإن كان تركه تكاسلًا مع اعتقاده وجوبها، كما هو حال كثير من الناس، فقد اختلف العلماء فيه، وسيأتي تحقيقه بعد هذا، والله تعالى أعلم.
٦ - (ومنها): أنه قد احتج أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله بقوله: "أُمِر ابن آدم بالسجود" على أن سجود التلاوة واجبٌ، ومذهب مالك، والشافعيّ، والكثيرين أنه سنةٌ، وأجابوا عن هذا بأجوبة:
[أحدهما]: أن تسمية هذا أمرًا، إنما هو من كلام إبليس، فلا حجة فيها، فإن قالوا: حكاها النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يُنكرها.
قلنا: قد حَكَى غيرها من أقوال الكفار، ولم يبطلها حال الحكاية، وهي باطلة.
[الوجه الثاني]: أن المراد أمر ندب لا إيجاب.
[الثالث]: المراد المشاركة في السجود، لا في الوجوب، والله تعالى أعلم، قاله النوويّ، رحمه الله تعالى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: لا يخفى عليك ما في الوجه الأول من الضعف، فالوجه الثالث هو الأقرب، فتأمّل، والله تعالى أعلم.
وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى ما حاصله: وجه احتجاج الحنفيّة به على وجوب سجود التلاوة، أن إبليس عصى بترك ما أُمر به من السجود، فذُمّ، ولُعِنَ، وابن آدم أطاع بفعله، فمُدِح، وأُثيب بالجنّة، فلو تركه لعصى؛ إذ السجود نوع واحدٌ، فلزم من ذلك كون السجود واجبًا.
وذهب الجمهور إلى أنه مندوب وفضيلة، وليس بواجب، وأجابوا عما قاله الحنفيّة بأن ذمّ إبليس ولعنه لم يكن لأجل ترك السجود فقط، بل لتركه عُتُوًّا على الله سبحانه وتعالى وكبرًا، وتسفيهًا لأمره تعالى، وبذلك كَفَرَ، لا بترك العمل بمطلق السجود، ألا ترى قوله تعالى مخبِرًا بذلك حين قال:{أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[البقرة: ٣٤]، وقال:{لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}[الحجر: ٣٣]، وقال:{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف: ١٢]؟.