ذهبت طائفة إلى أنه إذا فقد النعلين، ولبس الخفّين مقطوعين أسفل من الكفين، لَمْ تلزمه فدية؛ إذ لو كانت لازمة لبيّنها النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهذا موضع بيانها، وهو من جهة المعنى واضح، فإنه لَمْ يرتكب محظورًا، وبهذا قال مالك، والشافعيّ، وآخرون - رحمهم اللَّه تعالى -.
وقال أبو حنيفة، وأصحابه: عليه الفدية، كما إذا احتاج إلى حلق الرأس يحلقه، وَيفدِي. ذكره وليّ الدين - رَحِمَهُ اللهُ -.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: ما قاله الأولون هو الأرجح؛ عملًا بظاهر الحديث، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): دلّ الحديث على أنه لا يجوز لبس الخفّين مقطوعين إلَّا عند فقد النعلين، وهو الأصحّ عند أصحاب الشافعيّ، وبه قال مالك، والليث، وكذا قال الحنابلة: لو لبس واجد النعل خفًّا مقطوعًا تحت الكعب لزمته الفدية.
وذهب بعض الشافعيّة إلى جواز لبسه مع وجودهما؛ لأنه صار في معناهما، وهو قول أبي حنيفة، أو بعض أصحابه، حكاه ابن عبد البرّ، وابن العربيّ عن أبي حنيفة، وحكاه المحبّ الطبريّ عن بعض أصحابه. وحكي عن أبي حنيفة نفسه موافقة مالك، والجمهور.
وقال ابن العربيّ: والذي أقول: إنه إن كشف الكعب لبسهما إن لَمْ يجد نعلين، وإن وجد النعلين لَمْ يجز لبسهما، حتى يكون كهيئة النعل لا يستران من ظاهر الرجل شيئًا. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: عندي أن ما ذكره ابن العربيّ - رَحِمَهُ اللهُ - أقرب، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): هذا الحكم خاصّ بالرجل، أما المرأة فلها لبس الخفّين مطلقًا، قال ابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ -: وبه قال كلّ من يُحفظ عنه من أهل العلم. انتهى.
لكن في "سنن أبي داود": أن ابن عمر كان يصنع ذلك -يعني يقطع الخفّين - للمرأة المحرمة، ثم حدّثته صفيّة بنت أبي عُبيد أن عائشة - رضي الله عنها - حدّثتها: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قد كان رخّص للنساء في الخفّين، فترك ذلك.