عمرو بن دينار: ولا أدري أيّ الحديثين نسخ الآخر، انظروا أيهما قبلُ.
وقال الجمهور: يجب حمل حديث ابن عباس، وجابر على حديث ابن عمر؛ لأنهما مطلقان، وفي حديث ابن عمر زيادة لَمْ يذكراها يجب الأخذ بها، قال الشافعيّ: ابن عمر، وابن عباس، كلاهما صادقٌ حافظ، وليس زيادة أحدهما على الآخر شيئًا لَمْ يؤدّه الآخر، إما عزب عنه، وإما شكّ فيه، فلم يؤدّه، وإما سكت عنه، وإما أدّاه فلم يُؤَدَّى عنه، لبعض هذه المعاني اختلفا. انتهى.
وقولهم: إنه إضاعة مال: مردود، فإن الإضاعة إنما تكون في المنهيّ عنه، وأما ما ورد به الشرع فهو حقّ يجب الإذعان له. واللَّه أعلم.
وحَكَى الخطّابيّ، عن عطاء بن أبي رباح أنه لا يقطعهما؛ لأن في قطعهما إفسادًا، ثم قال: يشبه أن يكون لَمْ يبلغه حديث ابن عمر، قال: والعجب من أحمد في هذا، فإنه لا يكاد يخالف سنة تبلغه، وقلّت سنة لَمْ تبلغه.
وقال ابن العربيّ: أما عطاء فوَهِم في الفتوى، وأما أحمد فعلى صراط مستقيم، قال: وهذه القولة لا أراها صحيحة، فإنّ حَمْلَ المطلق على المقيّد أصل أحمد. انتهى ما ذكره وليّ الدين - رَحِمَهُ اللهُ - (١).
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: ما ذهب إليه الجمهور هو الأرجح عندي؛ لوضوح حجته.
والحاصل أن الراجح حمل حديث ابن عباس على حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، وهو أن من لَمْ يجد نعلين لبس الخفّين، ولكن يقطعهما حتى يكونا أسفل الكعبين، فبهذا يُجمَع بين الحديثين، وهو الطريق الذي يحصل به العمل بالحديثين، فيكون أولى من إبطال أحدهما بدعوى النسخ بلا بيّنة واضحة، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في وجوب الفدية على من لبس الخفّين لفقد النعلين: