واختلف فيمن مرَّ على واحد من هذه المواقيت مريدًا للإحرام فجاوزه، فعن مالك: يرجع ما لم يحرم، أو يشارف مكة، فإذا رجع لم يلزمه دم، فلو أحرم لم يرجع ولزمه الدم. وبه قال ابن المبارك، والثوري على خلاف عنه. وجماعة من الفقهاء منهم أبو حنيفة يأمرونه بالرجوع؛ فإن رجع سقط عنه الدم.
فأما من جاوز الميقات غير مريد للإحرام، ثم بدا له في النسك، فجمهور العلماء: على أنه يحرم من مكانه، ولا شيء عليه، وقال أحمد، وإسحاق: يرجع إلى الميقات.
فأما من مرَّ على الميقات قاصدًا دخول مكة من غير نسك، وكان ممن لا يتكرر دخوله إلى مكة، فهل يلزمه الإحرام منه؟ أو لا يلزمه؟ وإذا لم يلزمه، فهو على الاستحباب، ثم إذا لم يفعله، فهل يلزمه دم أو لا يلزمه؟ اختلف فيه أصحابنا.
وظاهر الحديث: أنه إنما يلزم الإحرام من أراد مكة لأحد النُّسكين خاصة. وهو مذهب الزهري، وأبي مصعب وجماعة من أهل العلم. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: مذهب الزهريّ - رحمه الله - ومن قال بقوله هو الحقّ، وسيأتي تمام البحث في هذا في موضعه - إن شاء الله تعالى -.
(وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ) يعني أن هذه المواقيت تكون محلّ إحرام لكلّ شخص أتى عليها من غير أهل البلاد المذكورة.
قال في "الفتح": ويدخل في ذلك من دخل بلدًا ذات ميقات، ومن لم يدخل، فالذي لا يدخل لا إشكال فيه، إذا لم يكن له ميقات معيّن، والذي يدخل فيه خلاف؛ كالشاميّ إذا أراد الحجّ، فدخل المدينة، فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها، ولا يؤخر حتى يأتي الجحفة التي هي ميقاته الأصليّ، فإن أخّر أساء، ولزمه دم عند الجمهور، وأطلق النوويّ الاتفاق، ونفى الخلاف في "شرحيه لمسلم، والمهذّب" في هذه المسألة، فلعلّه أراد في مذهب الشافعيّ، وإلا فالمعروف عند المالكيّة أن للشاميّ مثلًا إذا جاوز ذا الحليفة بغير إحرام إلى ميقاته الأصليّ، وهو الجحفة جاز له ذلك، وإن كان الأفضل خلافه، وبه