فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حَدَّ لأهل نجد قرنًا، وهو جَوْرٌ عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنًا، شَقّ علينا، قال:"فانظروا حَذْوَها من طريقكم، فَحَدَّ لهم ذات عرق".
قال الحافظ - رحمه الله -: وظاهره أن عمر - رضي الله عنه - حدّ لهم ذات عِرْق باجتهاد منه.
وقد روى الشافعيّ من طريق أبي الشعثاء، قال:"لم يوقّت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل المشرق شيئًا، فاتخذ الناس بحيال قرن ذات عرق".
ورَوَى أحمد عن هُشيم، عن يحيى بن سعيد وغيره، عن نافع، عن ابن عمر، فذكر حديث المواقيت، وزاد فيه:"قال ابن عمر: فآثر الناس ذات عرق على قرن"، وله عن سفيان، عن صدقة، عن ابن عمر، فذكر حديث المواقيت، "قال: فقال له قائل: فأين العراق؟ فقال ابن عمر: لم يكن يومئذ عراق".
وفي "كتاب الاعتصام" من "صحيح البخاريّ" من طريق عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال:"لم يكن عراق يومئذ".
ووقع في "غرائب مالك" للدارقطنيّ، من طريق عبد الرزّاق، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال:"وقّت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل العراق قرنًا"، قال عبد الرزاق: قال لي بعضهم: إن مالكًا محاه من كتابه، قال الدارقطنيّ: تفرّد به عبد الرزّاق، قال الحافظ: والإسناد إليه ثقات أثبات.
وأخرجه إسحاق ابن راهويه في "مسنده" عنه، وهو غريبٌ جدًّا، وحديث الباب يردّه.
وروى الشافعيّ من طريق طاوسًا، قال:"لم يوقّت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات عرق، ولم يكن حينئذ أهل المشرق"، وقال في "الأمّ": "لم يثبت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه حدّ ذات عرق، وإنما أجمع عليه الناس".
وهذا كلّه يدلّ على أن ميقات ذات عرق ليس منصوصًا، وبه قطع الغزاليّ، والرافعيّ في "شرح المسند"، والنوويّ في "شرح مسلم"، وكذا وقع في "المدوّنة" لمالك.
وصحح الحنفيّة، والحنابلة، وجمهور الشافعيّة، والرافعيّ في "الشرح الصغير"، والنوويّ في "شرح المهذّب" أنه منصوص، وقد وقع ذلك في حديث جابر - رضي الله عنه - عند مسلم، إلا أنه مشكوك في رفعه، أخرجه من طريق ابن جريج،