ميقاتًا من هذه المواقيت، فبطل قول من قال: من ليس له ميقات، ولا يحاذي ميقاتًا، هل يحرم من مقدار أبعد من المواقيت، أو أقربها؟ ثم حكى فيه خلافًا، والفرض أن هذه الصورة لا تتحقّق؛ لما قلته، إلا أن يكون قائله فرضه فيمن لم يَطّلِع على المحاذاة، كمن يجهلها.
وقد نقل النوويّ في "شرح المهذّب" أنه يلزمه أن يُحرم على مرحلتين، اعتبارًا بقول عمر هذا في توقيته ذات عرق.
وتُعُقّب بأن عمر إنما حدّها لأنها تحاذي قرنًا، وهذه الصورة إنما هي حيث يجهل المحاذاة، فلعلّ القائل بالمرحلتين أخذ بالأقلّ؛ لأن ما زاد عليه مشكوك فيه، لكن مقتضى الأخذ بالاحتياط أن يعتبر الأكثر الأبعد.
ويحتمل أن يفرّق بين من عن يمين الكعبة، وبين من عن شمالها؛ لأن المواقيت التي عن يمينها أقرب من التي عن شمالها، فيقدر لليمين الأقرب، وللشمال الأبعد، والله أعلم.
ثم إن مشروعية المحاذاة مختصّة بمن ليس له أمامه ميقات معيّنٌ، فأما من له ميقات معيّن، كالمصريّ مثلًا يمرّ ببدر، وهي تحاذي ذا الحليفة، فليس عليه أن يحرم منها، بل له التأخير حتى يأتي الجحفة، والله تعالى أعلم. انتهى ما في "الفتح"(١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما ذهب إليه الجمهور من أن من ليس له ميقات معيّن إذا لم يأت على ميقات من المواقيت المذكورة عليه أن يحرم من حذاء أقرب المواقيت إلى طريقه هو الحقّ؛ لما تقدّم من أثر عمر - رضي الله عنه -، فقد وافقه عليه الصحابة - رضي الله عنهم -، فيما وقّت به ذات عرق، حيث أمر أهل العراق بأن ينظروا حذو قرن من طريقهم، فيحرموا منه.
وأما قول ابن حزم: إنه يحرم من حيث شاء؛ وادَّعَى أنه يدخل في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن كان دون ذلك إلخ" فبعيد؛ لأنه ليس دون المواقيت المذكورة، فكيف يتناوله الحديث؟ بل ما دلّ عليه ما نُقل عن عمر - رضي الله عنه -، ووافقه الصحابة عليه هو الصواب.