فحسن، وحَكَى في "المعرفة" عن الشافعيّ قال: ولا ضيق على أحد في قول ما جاء عن ابن عمر، وغيره، من تعظيم الله، ودعائه، غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روي عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك. انتهى.
وهذا أعدل الوجوه، فيفرد ما جاء مرفوعًا، وإذا أختار قول ما جاء موقوفًا، أو أنشأه هو من قبل نفسه، مما يليق قاله على انفراده حتى لا يختلط بالمرفوع، وهو شبيه بحال الدعاء في التشهد، فإنه قال فيه:"ثم ليتخير من المسألة، والثناء ما شاء"؛ أي: بعد أن يفرغ من المرفوع، كما تقدّم ذلك في موضعه. انتهى كلام الحافظ - رحمه الله -.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله الحافظ تبعًا للإمام الشافعيّ - رحمهما الله تعالى - تحقيق نفيسٌ جدًّا.
وحاصله أن الأولى الالتزام بتلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن زاد مما سبق من زيادة ابن عمر - رضي الله عنهما -، أو غيره، أو ثناء على الله تعالى بما يليق بجلاله من عند نفسه بعد أن يفرغ من تلبيته - صلى الله عليه وسلم -، فلا بأس، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حقيقة الإحرام في الحجّ والعمرة، وحكمه:
(اعلم): أن الإحرام لغة هو الدخول في التحريم، يقال: أحرم الشخص: نوى الدخول في شيء حرُم عليه به ما كان حلالًا له، وهذا كما يقال: أَنْجَد: إذا أتى نجدًا، وأَتْهَم: إذا أتى تهامة، قاله الفيّوميّ.
وشرعًا: نية الدخول في النسك مع التلبية، أو سَوْق الهدي، لا نية أن يحجّ، أو يعتمر، فإن ذلك لا يسمى إحرامًا، وكذا التجرّد، وترك سائر المحظورات لكونه محرمًا بدونها، قال شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله -: لا يكون الرجل محرمًا بمجرّد ما في قلبه من قصد الحجِّ ونيته، فإن القصد ما زال في القلب منذ خرج من بلده، بل لا بدّ من قول، أو عمل يصير به محرمًا، هذا هو الصحيح من القولين. انتهى.
وقال العلامة ابن دقيق العيد - رحمه الله -: الإحرام: الدخول في أحد النسكين، والتشاغل بأعمالهما، وقد كان شيخنا العلامة أبو محمد بن عبد السلام