يستشكل معرفة حقيقة الإحرام جدًّا، ويبحث فيه كثيرًا، وإذا قيل: إنه النيّة اعترض عليه بأن النية شرط في الحجّ الذي الإحرام ركنه، وشرط الشيء غيره، ويعترض على أنه التلبية بأنها ليست بركن، والإحرام ركن، هذا أو قريب منه، وكان يحرم على تعيين فعل تتعلق به النية في الابتداء. انتهى (١).
وقال العلامة الشوكاني - رحمه الله - عند قول صاحب "حدائق الأزهار": وإنما ينعقد - أي الإحرام - بالنية مقارنة لتلبية، أو تقليد، ما نصّه:
أقول: الإحرام هو مصير الشخص من الحالة التي كان يحلّ له فيها ما يحرم عليه بعدها إلى الحالة التي يحرم عليه فيها ما كان يحلّ له فيها، ولو لم يكن إلا مجرّد الكفّ عن محظورات الإحرام لكان ذلك معنى معقولًا لكلّ عاقل، كالصوم فإنه ليس إلا الكفّ عن تناول المفطرات، فمن قال: إنه لا يعقل معنى الإحرام، وإنه ليس هناك إلا مجرّد النية، وإن النية لا تُنوى، وإلا لزم التسلسل، فقد أخطأ خطأ بيّنًا، ومعلوم أن الشريعة المطهرة بعضها أوامر، وبعضها نواهٍ، والتعبّد في النواهي ليس إلا بالكفّ، فيلزمه أن يطرد هذا التشكيك الركيك في شطر الشريعة.
وأما إيجاب النيّة فقد عرّفناك غير مرّة أن كلّ عمل يحتاج إلى النيّة، والعمل يشمل الفعل، والترك، والقول، والفعل، وعرّفناك أن ظاهر الأدلة يقتضي أن النية شرط في جميع ما تقدّم من العبادات؛ لدلالة أدلّتها على أن عدمها يؤثّر في العدم، وهذا هو معنى الشرط عند أهل الأصول.
وأما كون النية تقارن التلبية، فقد ثبت عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في دواوين الإسلام من غير وجه أنه أهلّ ملبيًا، وقد قدَّمنا لك أن أفعاله، وأقواله في الحجّ محمولة على الوجوب؛ لأنها بيان لمجمل القرآن، وامتثال لأمره - صلى الله عليه وسلم - لأمته أن يأخذوا عنه مناسكهم، فمن ادَّعى في شيء منها أنه غير واجب، فلا يقبل منه ذلك إلا بدليل.
وأما كونها تقارن التقليد، فلما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في عام الحديبية "أنه لما