للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كان بذي الحليفة قلّد الهدي، وأشعره، وأحرم بالعمرة". انتهى (١).

وقال العلامة ابن رشد - رحمه الله -: اتفقوا على أن الإحرام لا يكون إلا بنيّة، واختلفوا هل تجزئ النية فيه من غير تلبية؟ فقال مالك، والشافعيُّ: تجزئ النية من غير تلبية، وقال أبو حنيفة: التلبية في الحج كالتكبيرة في الإحرام بالصلاة، إلا أنه يجزئ عنده كلّ لفظ يقوم مقام التلبية، كما في افتتاح الصلاة عنده. انتهى.

وقال العلامة ابن قدامة - رحمه الله -: يستحبّ للإنسان النطق بما أحرم به؛ ليزول الالتباس، فإن لم ينطق بشيء، واقتصر على مجرّد النية كفاه في قول إمامنا، ومالك، والشافعيّ، وقال أبو حنيفة: لا ينعقد بمجرد النية حتى ينضاف إليها التلبية، أو سوق الهدي؛ لحديث خلّاد بن السائب الأنصاري، عن أبيه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "أتاني جبريل، فقال: يا محمد مُرْ أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية"، رواه الترمذيّ، والنسائيّ وقال الترمذيّ: حديث حسن صحيح. انتهى (٢).

وقال صاحب "المرعاة": قد تواترت الروايات المصرّحة بأنه - صلى الله عليه وسلم - أحرم من ذي الحليفة، وسمى، وعيّن ما أحرم به، من إفراد، أو قران، أو تمتّع، واتفقت على تعيين النسك في التلبية الأولى التي تكون عند عقد الإحرام، وإن اختلفت في نوعه، وصرّحت أيضًا بأنه - صلى الله عليه وسلم - لبّى عند ذلك، كما ورد في الروايات، وقال: "خذوا عني مناسككم"، فعلينا أن نأخذ عنه من مناسكنا الإحرام، والتلبية، والتسمية، وهذا القدر هو الذي قام عليه الدليل، أما كون الإحرام شرطًا، أو ركنًا، وكون التلبية مسنونة، أو مستحبّة، أو واجبة يصحّ الحج بدونها، وتجبر بدم، وكذا كون الذكر الدالّ على تعظيم الله سوى التلبية مجزئًا، والتلفّظ بالنيّة، بأن يقول: نويت العمرة، أو نويت الحجّ، أو نويت العمرة، والحجّ، أو اللَّهم إني أريد العمرة، أو الحجّ، أو اللَّهم إني أهلّ، أو أحرم بكذا، فكلّ ذلك لم يرد فيه دليلٌ خاصّ، والخير كله في اتباعه - صلى الله عليه وسلم -،


(١) راجع: "السيل الجرّار على حدائق الأزهار" ٢/ ١٧١.
(٢) راجع: "المغني" ٥/ ٩١ - ٩٢.