للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقوله: "فيها أي: في شأنها، ونسبة الإحرام إليها بأنه كان من عنده، وقال الزرقانيّ - رحمه الله -؛ أي: بسببها، فـ "في" للتعليل، نحو: قوله تعالى: {لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: ٣٢]، وقوله: {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ} [النور: ١٤]، وحديث: "دخلت النار امرأة في هرة فتقولون: إنه أحرم منها، ولم يُحرم منها. انتهى (١).

وقال النوويّ - رحمه الله -: قوله: "تكذبون فيها أي: تقولون: إنه - صلى الله عليه وسلم - أحرم منها، ولم يُحرم منها، وإنما أحرم قبلها من عند مسجد ذي الحليفة، ومن عند الشجرة التي كانت هناك، وكانت عند المسجد، وسماهم ابن عمر كاذبين؛ لأنهم أخبروا بالشيء على خلاف ما هو، وقد سبق في أول هذا الشرح في مقدمة "صحيح مسلم" أن الكذب عند أهل السنة هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو، سواء تعمده، أم غَلِطَ فيه، أو سها، وقالت المعتزلة: يُشترط فيه العمدية، وعندنا أن العمدية شرط لكونه إثمًا، لا لكونه يُسَمَّى كذبًا، فقول ابن عمر - رضي الله عنهما - جارٍ على قاعدتنا، وفيه أنه لا بأس بإطلاق هذه اللفظة، انتهى (٢).

وقال في "العمدة": [فإن قلت]: كيف يجوز لابن عمر أن يُطلِق الكذب على الصحابة؟

[قلت]: الكذب يجيء بمعنى الخطإ؛ لأنه يشبهه في كونه ضدّ الصواب، كما أن ضدّ الكذب الصدق، وافترقا من حيث النية والقصد؛ لأن الكاذب يَعْلَم أن الذي يقوله كذبٌ، والمخطئ لا يَعْلَم، ولا يُظَنّ به أنه كان يَنْسُب الصحابة إلى الكذب. انتهى (٣).

(مَا أهَلَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) أي: ما رفع صوته بالتلبية (إِلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ، يَعْنِي ذَا الْحُلَيْفَةِ) أي: حين ركب راحلته، لا حين فرغ من الركعتين، وفي الرواية التالية: "ما أهلّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إلا من عند الشجرة، حين قام به بعيره".

قال الحافظ - رحمه الله -: وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - ينكر رواية ابن عباس - رضي الله عنهما - عند


(١) "شرح الزرقانيّ" ٢/ ٣٢٨.
(٢) "شرح النوويّ" ٨/ ٩٤.
(٣) "عمدة القاري" ٩/ ١٥٩.