ورثهم ورثتهم المسلمون، وكان إذا مات لهم ميت آتوهم ميراثه، وكانت تُعْصَم دماؤهم حتى تقوم السنة الشرعية على أحدهم بما يوجب عقوبته.
ولَمّا خرجت الحرورية على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، واعتزلوا جماعة المسلمين، قال لهم: إن لكم علينا أن لا نَمْنَعكم المساجد، ولا نمنعكم نصيبكم من الفيء، فلَمّا استحلوا قتل المسلمين، وأخذ أموالهم، قاتلهم بأمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حيث قال:"يَحْقِر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قرائتهم، يقرؤون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يَمْرُقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرَّمِيّة، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة"، فكانت الحرورية قد ثَبَت قتالهم بسنة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، واتفاق أصحابه، ولم يكن قتالهم قتالَ فتنة، كالقتال الذي جرى بين فئتين عظيمتين من المسلمين، بل قد ثبت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري، أنه قال للحسن ابنه:"إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"، وقال في الحديث الصحيح:"تَمْرُق مارقة على حين فرقة من المسلمين، فتقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحقّ"، فدَلَّ بهذا على أن ما فعله الحسن من ترك القتال، إما واجبًا أو مستحبًّا لم يمدحه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على ترك واجب أو مستحب، ودَلّ الحديث الآخر على أن الذين قاتلوا الخوارج، وهم عليّ وأصحابه، كانوا أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه، وأن قتال الخوارج أمر به النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ليس قتالهم كالقتال في الجمل وصفين، الذي ليس فيه أمر من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -.
والمقصود أن علي بن أبي طالب وغيره من أصحابه - رضي الله عنهم - لم يَحْكُموا بكفرهم، ولا قاتلوهم حتى بدؤوهم بالقتال.
والعلماء قد تنازعوا في تكفير أهل البدع والأهواء، وتخليدهم في النار، وما من الأئمة إلا مَن حُكي عنه في ذلك قولان، كمالك، والشافعيّ، وأحمد، وغيرهم، وصار بعض أتباعهم يحكي هذا النزاع في جميع أهل البدع، وفي تخليدهم حتى التزم تخليدهم كل من يعتقد أنه مبتدع بعينه، وفي هذا من الخطأ ما لا يُحْصَى، وقابله بعضهم، فصار يَظُنّ أنه لا يُطْلَق كفر أحد من أهل الأهواء، وإن كانوا قد أَتَوا من الإلحاد، وأقوال أهل التعطيل والاتحاد.