فهذا الموضع ينبغي تدبُّره، فَمَن عَرَف ارتباط الظاهر بالباطن زالت عنه الشبهة في هذا الباب، وعَلِمَ أن من قال من الفقهاء: إنه إذا أقرّ بالوجوب، وامتنع عن الفعل لا يقتل، أو يقتل مع إسلامه، فإنه دخلت عليه الشبهة التي دخلت على المرجئة والجهمية، والتي دخلت على مَن جَعل الإرادة الجازمة مع القدرة التامة، لا يكون بها شيء من الفعل، ولهذا كان الممتنعون من قتل هذا من الفقهاء بنوه على قولهم في مسألة الإيمان، وأن الأعمال ليست من الإيمان، وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب، وأن إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع، سواءٌ جُعِل الظاهر من لوازم الإيمان، أو جزءًا من الإيمان، كما تقدم بيانه.
وحينئذ فإذا كان العبد يفعل بعض المأمورات، ويترك بعضها، كان معه من الإيمان بحسب ما فعله، والإيمان يزيد وينقص، ويجتمع في العبد إيمان ونفاق، كما ثبت عنه في "الصحيح" أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:"أربع من كُنّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حَدَّث كذب، وإذا ائتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".
وبهذا تزول الشبهة في هذا الباب، فإن كثيرًا من الناس، بل أكثرهم في كثير من الأمصار لا يكونون محافظين على الصلوات الخمس، ولا هم تاركيها بالجملة، بل يصلون أحيانًا ويدعون أحيانًا، فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق، وتجري عليهم أحكام الإسلام الظاهرة، في المواريث ونحوها من الأحكام، فإن هذه الأحكام إذا جَرَت على المنافق المحض، كابن أُبيّ وأمثاله من المنافقين، فلأن تَجْرِي على هؤلاء أولى وأحرى.
وبيان هذا الموضع مما يزيل الشبهة، فإن كثيرًا من الفقهاء يَظُن أن مَن قيل: هو كافر، فإنه يجب أن تجري عليه أحكام المرتدّ ردةً ظاهرةً، فلا يَرِث، ولا يورث، ولا يناكَح، حتى أَجْرَوا هذه الأحكام على مَن كَفّروه بالتأويل، من أهل البدع، وليس الأمر كذلك، فإنه قد ثبت أن الناس كانوا ثلاثة أصناف: مؤمن، وكافر مظهر للكفر، ومنافق مظهر للإسلام، مبطن للكفر، وكان في المنافقين مَن يعلمه الناس بعلامات ودلالات، بل مَن لا يشكّون في نفاقه، ومَن نَزَل القرآن ببيان نفاقه، كابن أُبيّ وأمثاله، ومع هذا فلما مات هؤلاء