كما قال تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}[البقرة: ٢٣٨]، وعدم المحافظة يكون مع فعلها بعد الوقت، كما أخّر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صلاة العصر يوم الخندق، فأنزل الله آية الأمر بالمحافظة عليها، وعلى غيرها من الصلوات، وقد قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩)} [مريم: ٥٩]، فقيل لابن مسعود وغيره: ما إضاعتها؟ فقال: تأخيرها عن وقتها، فقالوا: ما كنا نظن ذلك إلا تركها، فقال: لو تركوها لكانوا كفارًا، وكذلك قوله: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (٥)} [الماعون: ٤، ٥]، ذمهم مع أنهم يصلون لأنهم سَهَوْا عن حقوقها الواجبة من فعلها في الوقت، وإتمام أفعالها المفروضة، كما ثبت في "صحيح مسلم " عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يَرْقُب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان، قام فنقر أربعًا، لا يذكر الله فيها إلا قليلًا"، فجعل هذه صلاة المنافقين؛ لكونه أخّرها عن الوقت، ونقرها، وقد ثبت في "الصحيح" عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه ذكر الأمراء بعده الذين يفعلون ما يُنكَر، وقالوا: يا رسول الله، أفلا نقاتلهم؟ قال:"لا، ما صَلَّوا"، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"سيكون أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، فصلوا الصلاة لوقتها، ثم اجعلوا صلاتكم معهم نافلة"، فنَهَى عن قتالهم إذا صَلَّوا، وكان في ذلك دلالة على أنهم إذا لم يصلوا قوتلوا، وبَيَّن أنهم يؤخرون الصلاة عن وقتها، وذلك ترك المحافظة عليها، لا تركها.
وإذا عُرِف الفرق بين الأمرين، فالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - إنما أدخل تحت المشيئة من لم يحافظ عليها، لا من ترك، ونفس المحافظة يقتضي أنهم صَلَّوا، ولم يحافظوا عليها، ولا يتناول من لم يحافظ، فإنه لو تناول ذلك قُتِلوا كفارًا مرتدين بلا ريب، ولا يُتَصَوَّر في العادة أن رجلًا يكون مؤمنًا بقلبه مُقِرًّا بأن الله أوجب عليه الصلاة، ملتزمًا لشريعة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وما جاء به، يأمره وليّ الأمر بالصلاة، فيمتنع حتى يُقْتَل، ويكون مع ذلك مؤمنًا في الباطن قط، لا يكون إلا كافرًا، ولو قال: أنا مُقِرّ بوجوبها غير أني لا أفعلها كان هذا القول مع هذه الحال كذبًا منه، كما لو أخذ يُلقي المصحف في الْحُشّ، ويقول: أشهد أن ما فيه كلام الله، أو جعل يقتل نبيًّا من الأنبياء، ويقول: أشهد أنه رسول الله، ونحو ذلك من الأفعال التي تنافي إيمان القلب، فإذا قال: أنا مؤمن بقلبي، مع هذه الحال، كان كاذبًا فيما أظهره من القول.