للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولهذا يصفهم الله في كتابه بالكذب، كما يصف المؤمنين بالصدق، قال تعالى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: ١٠]، وقال: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: ١]، وأمثال هذا كثير، وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥)} [الحجرات: ١٥] وقال: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [:] إلى قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: ١٧٧].

وبالجملة فأصل هذه المسائل أن تعلم أن الكفر نوعان: كفر ظاهر، وكفر نفاق، فإذا تكلم في أحكام الآخرة كان حكم المنافق حكم الكفار، وأما في أحكام الدنيا، فقد تجري على المنافق أحكام المسلمين.

وقد تبيّن أن الدين لا بُدّ فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنًا بالله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بقلبه، أو بقلبه ولسانه، ولم يؤدّ واجبًا ظاهرًا ولا صلاةً ولا زكاةً ولا صيامًا، ولا غير ذلك من الواجبات، لا لأجل أن الله أوجبها مثل أن يؤدي الأمانة، أو يصدق الحديث، أو يعدل في قسمه وحكمه، من غير إيمان بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لم يخرج بذلك من الكفر، فإن المشركين، وأهل الكتاب، يرون وجوب هذه الأمور، فلا يكون الرجل مؤمنًا بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد - صلى الله عليه وسلم -.

ومن قال بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات، سواء جعل فعل تلك الواجبات لازمًا له، أو جزءًا منه، فهذا نزاع لفظيّ، كان مخطئًا خطأً بَيِّنًا، وهذه بدعة الإرجاء التي أعظم السلفُ والأئمةُ الكلام في أهلها، وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف، والصلاة هي أعظمها، وأعمّها، وأوّلها، وأجلّها. انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى (١)، وهو بحثٌ دقيقٌ، وتحقيق أنيقٌ، فتمسّك به، تُرشَدْ سواء السبيل، والله تعالى وليّ التوفيق، وهو الهادي لأقوم الطريق.

(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في عقوبة تارك الصلاة:

(اعلم): أن القائلين بعدم كفر تارك الصلاة اختلفوا في عقوبته، وأما من


(١) "مجموع الفتاوى" ٧/ ٦٠٩ - ٦٢١.