كان في حديث ابن عمر زيادة على حديث من سواه ممن اتُّفق على صحّة روايته، وهي كون الإهلال من عند المسجد، فيكون ذلك قبل الاستواء على البيداء، وجب العمل به، ويكون من رواه عند الاستواء على البيداء إنما سمعه حالتئذ يلبّي، فظنّ أن ذلك أول إهلاله.
قال: ويُمكن أن يُقضى بحديث ابن عمر على حديث ابن عبّاس، ويكون قوله:"في مصلّاه" زيادة من الراوي ليس من قول ابن عبّاس، ويصدُق على من أحرم من عند المسجد عند استقلال ناقته به أنه لَمّا فرغ من ركعتيه أهلّ، ولا يلزم من ذلك التعقيب، وهذا الجمع أولى من إسقاط حديث من أصله، والله أعلم. انتهى كلام ابن حزم - رحمه الله - (١).
قال الجامع عفا الله عنه: تحقيق ابن حزم - رحمه الله - المذكور حسنٌ إلا قوله:"ويمكن أن يُقضى بحديث ابن عمر. . . إلخ"، ففيه نظر لا يخفى، إذ هذا الجمع فرع الصحّة، وقد سبق أن الحديث ضعيف، فلا حاجة إلى تكلّف الجمع، بل يُعمل بما اتّفق على صحّته، وهو حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
والحاصل أن الأفضل هو الإحرام حين تنبعث به راحلته، ويضع رجله على الغرز، كما صحّ ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد تقدّم تحقيق هذا، فتبصّر، والله تعالى وليّ التوفيق.
والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى بيان مسائله، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج - رحمه الله - المذكور أولَ الكتاب قال:
[٢٨٢١](. . .) - (وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْن مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَن ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ قَائِمَةً).