للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مسجده بذي الحليفة ركعتيه أوجب في مجلسه، فأهلّ بالحجّ حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه أقوام، فحفظته عنه، ثم ركب، فلما استقَلّت به ناقته أهلّ، وأدرك ذلك منه أقوام، وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالًا، فسمعوه حين استقلت به ناقته يُهِلّ، فقالوا: إنما أهلّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استقلت به ناقته، ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما علا على شرف البيداء أهلّ، وأدرك ذلك منه أقوام، فقالوا: إنما أهلّ حين علا على شرف البيداء، وايمُ الله لقد أوجب في مصلاه، وأهلّ حين استقلت به ناقته، وأهلّ حين علا على شرف البيداء. انتهى.

قال في "الفتح": وقد أزال الإشكال؛ أي: إشكال اختلاف الروايات في مكان إهلاله - صلى الله عليه وسلم - ما رواه أبو داود، والحاكم من طريق سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: عجبت. . . إلخ، فذكره، ثم قال: فعلى هذا فكان إنكار ابن عمر على من يخصّ الإهلال بالقيام على شرف البيداء. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: قد سلك كثير من العلماء كابن القيّم، والحافظ، والشوكانيّ، وغيرهم طريقة الجمع بين هذه الأحاديث، ودليلهم حديث ابن عبّاس المذكور، وفيه نظر لا يخفى؛ لأنه من رواية خُصيف بن عبد الرحمن، وهو ضعيف، فلا يمكن الجمع بروايته، والحقّ أن الترجيح هو الأحقّ، فيُقدّم حديث ابن عمر المذكور في الباب على غيره من الأحاديث؛ لكونه أرجح، وقد أجاد أبو محمد بن حزم - رحمه الله - في ذلك، فقال: حديث ابن عبّاس في طريقه خصيف، وهو ضعيف، وحديث أبي داود الأنصاريّ المازنيّ من طريق قوم غير مشهورين، والأحاديث الدالّة على إحرامه - صلى الله عليه وسلم - بعدما استقلّت به راحلته، وإحرامه بعد الاستواء على البيداء كلها صحيحة، متّفقٌ على صحّتها، إلا أن في أحاديث ابن عمر زيادة على حديث جابر، وأنس، وعائشة - رضي الله عنهم -، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - أهلّ من عند مسجد ذي الحليفة حين أدخل رجله في الْغَرْز، واستقلّت به الراحلة، وهذا صريح في الدلالة على أنه لم يكن عقب الركوب، ولا في مصلّاه، ولو صحّ حديث ابن عبّاس، وأبي داود لوجب تقديم العمل به على حديث ابن عمر؛ لما فيه من الزيادة، لكن لَمّا كان حديث ابن عمر متّفقًا على صحّته، ولم يصحّ حديثهما وجب المصير إليه دونهما، ولَمّا