وقال الحافظ - رحمه الله -: واحتجّ المالكيّة بأمور:
(منها): أنه - صلى الله عليه وسلم - اغتسل بعد أن تطيّب، لقوله في رواية ابن المنتشر المتقدّمة في "الغسل": "ثم طاف بنسائه، ثم أصبح محرمًا"، فإن المراد بالطواف الجماع، وكان من عادته - صلى الله عليه وسلم - أن يغتسل عند كلّ واحدة، ومن ضرورة ذلك أن لا يبقى للطيب أثر.
ويردّه قولها في الرواية الماضية أيضًا:"ثم أصبح محرمًا، ينضخ طيبًا"، فهو ظاهر في أن نضخ الطيب - وهو ظهور رائحته - كان في حال إحرامه، ودعوى بعضهم أن فيه تقديمًا وتاخيرًا، والتقدير: طاف على نسائه، ينضخ طيبًا، ثم أصبح محرمًا خلافُ الظاهر، ويردّه قوله في رواية الحسن بن عبيد اللَّه، عن إبراهيم عند مسلم:"كان إذا أراد أن يُحرم يتطيّب بأطيب ما يجد، ثم أراه في رأسه، ولحيته بعد ذلك"، وللنسائيّ، وابن حبّان:"رأيت الطيب في مفرقه بعد ثلاث، وهو محرم".
وقال بعضهم: إن الوَبِيص كان بقايا الدهن المطيّب الذي تطيّب به، فزال، وبقي أثره، من غير رائحة.
ويردّه قول عائشة - رضي الله عنها -: "ينضخ طيبًا".
وقال بعضهم: بقي أثره، لا عينه، قال ابن العربيّ: ليس في شيء من طرق حديث عائشة أن عينه بقيت. انتهى.
وقد روى أبو داود، وابن أبي شيبة، من طريق عائشة بنت طلحة، عن عائشة، قالت:"كنّا نضمّخ وجوهنا بالمسك المطيّب قبل أن نحرم، ثم نحرم، فنعرق، فيسيل على وجوهنا، ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلا ينهانا"، فهذا صريحٌ في بقاء عين الطيب، ولا يقال: إن ذلك خاصّ بالنساء؛ لأنهم أجمعوا على أن الرجال والنساء سواء في تحريم استعمال الطيب إذا كانوا محرمين.
وقال بعضهم: كان ذلك طيبًا لا رائحة له، تمسّكًا برواية الأوزاعيّ، عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة:"بطيب لا يشبه طيبكم"، قال بعض رواته: تعني لا بقاء له، أخرجه النسائيّ (١).