فهؤلاء فقهاء أهل المدينة، من التابعين، قد اتفقوا على ذلك، فكيف يدّعي مع ذلك العمل على خلافه؟ انتهى كلام الحافظ - رحمه الله - (١).
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: قد تبيّن مما تقدّم من التحقيقات أن ما ذهب إليه الجمهور، من جواز استعمال الطيب عند إرادة الإحرام، ولو كان يبقى أثره بعد الإحرام هو الحق؛ لكونه سنة ثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإذا ثبتت السنّة بطل القياس، ولقد أحسن من قال، وأجاد في المقال [من الوافر]:
(المسألة الخامسة): دلّ الحديث على إباحة التطيّب بعد رمي جمرة العقبة، والحلق، وقبل طواف الإضافة، وهو المراد بالطواف هنا، وإنما قلنا: بعد رمي جمرة العقبة والحلق؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - رتّب هذه الأفعال يوم النحر هكذا، فرمى، ثم حلق، ثم طاف، فلولا أن التطيّب كان بعد الرمي والحلق لما اقتصرت على الطواف في قولها:"قبل أن يطوف بالبيت".
قال النوويّ في "شرح مسلم": وهذا مذهب الشافعيّ، والعلماء كافّة، إلا مالكًا، فكرهه قبل طواف الإفاضة، وهو محجوج بهذا الحديث، وكذا حكاه القاضي عياض عن عامّة العلماء.
وقال الترمذيّ في "جامعه": رُوي عن عمر بن الخطّاب أنه قال: حَلّ كلّ شيء إلا النساء، والطيب.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا، من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وغيرهم، وهو قول أهل الكوفة. انتهى.
وهذا الذي حكاه عن أهل الكوفة ليس بمعروف عنهم، وفي كتب الحنفية كـ "الهداية"، وغيرها الجزم بحلّ الطيب قبل الطواف.
ثم إن مالكًا مع قوله باستمرار تحريم الطيب يقول: إنه لا فدية عليه لو تطيّب، بخلاف الصيد، فإنه ممنوع منه عنده قبل الطواف كالطيب عنده، ومع