حتى ينحر هديه، قال: وممن ذكره النوويّ، وقال: ولا بدّ من هذا التأويل. انتهى، ومقتضاه أن الحاجّ لا يحلّ حتى ينحر هديه.
وفي سنن الدارقطنيّ، والبيهقيّ، من حديث عائشة - رضي الله عنها -، قالت: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رميتم، وحلقتم، وذبحتم، فقد حلّ لكم كلّ شيء إلا النساء"، لكنه حديث ضعيف، مداره على الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف، ومع ذلك فاضطرب في إسناده، ولفظه، ورواه أبو داود بلفظ:"إذا رمى أحدكم جمرة العقبة، فقد حلّ له كل شيء، إلا النساء". ومقتضى كلام النوويّ في "شرح المهذّب" أن في رواية أبي داود ذكر الحلق أيضًا، وليس كذلك.
(الأمر الثاني): فيما يحلّ بالتحلّل الأول، وقد اتفق هؤلاء على أنه يحلّ به ما عدا الجماع، ومقدّماته، وعقد النكاح، والصيد، والطيب، وأجمعوا على أنه لا يحلّ الجماع، واختلفوا في بقيّة هذه الأمور:
فقال الشافعيّة: يحلّ الصيد، والطيب، واختلفوا في عقد النكاح، والمباشرة فيما دون الفرج، وفيه قولان للشافعيّ، أصحّهما التحريم، كذا صححه النوويّ، ونقله عن الأكثرين، وذكر الرافعيّ أن القائلين به أكثر عددًا، وقولهم أوفق لظاهر النصّ في "المختصر"، لكنه صحّح في "الشرح الصغير" الحلّ، واقتضى كلامه في "المحرّر" التفصيل بين المسألتين، فصرّح بإباحة عقد النكاح بالأول، وجعل المباشرة داخلة فيما يحلّ بالثاني، وكلام الحنابلة موافق للمرجّح عندنا، وعبارة الشيخ مجد الدين ابن تيمية في "المحرّر": ثم قد حلّ من كلّ شيء، إلا النساء، وعنه: يحلّ إلا الوطء في الفرج، وكذا مذهب الحنفيّة، قال صاحب "الهداية": وقد حلّ له كل شيء، إلا النساء، ثم قال: ولا يحلّ الجماع فيما دون الفرج عندنا خلافًا للشافعيّ، فنصب الخلاف معه على أحد قوليه، وأما عقد النكاح فهو جائزٌ عندهم في الإحرام.
وقال المالكيّة: يستمرّ تحريم النساء، والصيد، والطيب، إلا أنهم أوجبوا في الصيد الجزاء، ولم يوجبوا في الطيب الفدية، كما تقدّم.
قال ابن حزم: وهذا عجيب، فإن احتجّوا بالأثر الوارد في تطييب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يطوف بالبيت قلنا: لا يخلو هذا الأثر من أن يكون صحيحًا، ففرض عليكم ألا تخالفوه، وقد خالفتموه، أو غير صحيح، فلا تراعوه،