وأوجبوا الفدية على من تطيّب، كما أوجبتموه على من تصيّد.
وقال ابن عبد البرّ: راعى مالك الاختلاف في هذه المسألة، فلم ير الفدية على من تطيّب بعد رمي جمرة العقبة، وقبل الإفاضة، وقال أبو العبّاس القرطبيّ: اعتذر أصحابنا عن هذا الحديث بادّعاء خصوصيّة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك.
والجواب عنه: الأصل التشريع، وعدم التخصيص، والقول بالتخصيص يحتاج إلى دليل، وليس ثَمّ دليل على ذلك.
وقال ابن المنذر: اختلف أهل العلم فيما أبيح للحاجّ بعد رمي جمرة العقبة قبل الطواف بالبيت، فقال عبد الله بن الزبير، وعائشة، وعلقمة، وسالم بن عبد اللَّه، وطاوس، والنخعيّ، وعبد اللَّه بن حسن، وخارجة بن زيد، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: يحلّ له كلّ شيء، إلا النساء. وروينا ذلك عن ابن عباس.
وقال عمر بن الخطّاب، وابن عمر: يحلّ كلّ شيء، إلا النساء، والطيب. وقال مالك: له كلّ شيء، إلا النساء، والطيب، والصيد، وقد اختلف فيه عن إسحاق، فذكر إسحاق بن منصور عنه ما ذكرناه، وذكر أبو داود الخفّاف عنه أنه قال: يحلّ له كلّ شيء، إلا النساء، والصيد. ثم قال: وفيه قول خامس، فذكر كلامه المتقدّم، وهو أن المحرم إذا رمى الجمرة يكون في ثوبه حتى يطوف بالبيت، ذكره وليّ الدين - رحمه الله - بتصرّف (١).
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: قد سبق أن الراجح عندي هو ما قاله الجمهور من أن التحلّل الأول يبيح كل شيء إلا النساء، وقد أسلفت أن حديث أم سلمة - رضي الله عنها - من أن الحاجّ إذا لم يطف يوم النحر، ودخل عليه المساء عاد حرامًا ضعيف، لا يصلح للاحتجاج به، فتنّبه، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج - رحمه الله - المذكور أولَ الكتاب قال:
[٢٨٢٥](. . .) - (وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: طَيَّبْتُ