للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، فَأَخْبَرْتُهَا أنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا، أَنْضَخُ طِيبًا؛ لَأَنْ أَطَّلِيَ بِقَطِرَانٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ) - رضي الله عنها - ردًّا على ابن عمر - رضي الله عنهما - حيث خالف رأيه النصّ، وفي رواية للبخاريّ: "قال: فذكرته لعائشة، فقالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن"، وهي كنية ابن عمر - رضي الله عنهما -، وإنما استرحمت له إشعارًا بأنه قد سها فيما قاله؛ إذ لو استحضر فعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يقل ذلك (١).

(أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ إِحْرَامِهِ) أي: عند إرادته الإحرام، لا بعد تلبّسه به؛ لأنه لا يجوز للمحرم التطيّب بعده (ثُمَّ طَافَ فِي نِسَائِهِ) ولفظ البخاريّ: "فيطوف على نسائه"، وهو كناية عن الجماع، وقال الإسماعيليّ: يَحْتَمِل أن يُراد به الجماع، وأن يراد به تجديد العهد بهنّ.

قال الحافظ: والاحتمال الأول يرجحه حديث أنس: "كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة"، قال قتادة: قلت لأنس: أوَ كانَ يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين، فقولها: "فطاف" مثل قوله: "يدور". انتهى كلام الحافظ بتصرف (٢).

(ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا) أي: ينضح طيبًا، ولفظ البخاريّ: "ثم يُصبح محرمًا ينضخ طيبًا"، وبها يتم رد عائشة - رضي الله عنها - على ابن عمر - رضي الله عنهما -.

قال في "الفتح": وظاهره أن عين الطيب بقيت بعد الإحرام، قال الإسماعيليّ: بحيث إنه صار كأنه يتساقط منه الشيء بعد الشيء. انتهى.

وقال النوويّ - رحمه الله -: قد يقال: قد قال الفقهاء: أقلُّ القسم ليلة لكل امرأة، فكيف طاف على الجميع في ليلة واحدة؟ وجوابه من وجهين:

[أحدهما]: أن هذا كان برضاهنّ، ولا خلاف في جوازه برضاهنّ كيف كان.

[والثاني]: أن القَسْم في حقّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هل كان واجبًا في الدوام؟ فيه خلاف لأصحابنا، قال أبو سعيد الإصطخريّ: لم يكن واجبًا، وإنما كان يَقْسِم بالسوية، ويُقْرِع بينهنّ تكرّمًا وتبرعًا، لا وجوبًا، وقال الأكثرون: كان واجبًا،


(١) "الفتح" ١/ ٦٤٠.
(٢) "الفتح" ١/ ٦٤٠.