(اعلم): أنهم اختلفوا في هذه المسألة على ثلاثة مذاهب:
(الأول): أنه لا يجوز له الأكل مطلقًا، وهو قول عليّ، وابن عباس، وابن عمر، والليث ابن سعد، والثوريّ، وإسحاق ابن راهويه، وطاوس، وجابر بن زيد.
واحتجّ لهم بعموم قوله تعالى:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} بناء على أن المراد بالصيد الحيوان المصيد.
وبحديث الصعب بن جثّامة - رضي الله عنه - هذا، وبحديث زيد بن أرقم - رضي الله عنه - الآتي: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أُهدي له عضو من لحم صيد، فرده، فقال:"إنا لا نأكله، إنا حرم".
وبما أخرجه أبو داود، وغيره من حديث عليّ - رضي الله عنه - أنه قال لناس من أشجع: أتعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُهدي له رجل حمار وحشٍ، وهو محرم، فأبى أن يأكله؟ قالوا: نعم.
(الثاني): أنه يجوز له الأكل مطلقًا؛ أي: وإن صِيد لأجله، إذا لم يكن بإذنه وإعانته، أو دلالته، وإشارته، وإليه ذهب أبو حنيفة، وحكي ذلك عن عمر بن الخطاب، وأبي هريرة، والزبير بن العوّام، وعائشة، وطلحة بن عبيد الله، وكعب الأحبار، ومجاهد، وسعيد بن جبير.
واحتُجّ لهم بحديث أبي قتادة المذكور هنا، وحديث طلحة بن عبيد الله الآتي، وحديث البهزيّ حيث أهدى للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - حمار وحش صاده، وهو حديث صحيح، أخرجه النسائيّ، وغيره.
(الثالث): التفصيل بين ما صاده الحلال لأجل المحرم، وما صاده لا لأجله، فيمنع الأول، دون الثاني، وهو مذهب الجمهور، منهم الأئمة الثلاثة: مالك، والشافعيّ، وأحمد، وحكي ذلك عن عثمان بن عفان، وعطاء، وأبي ثور، وإسحاق في رواية. وهذا المذهب هو الراجح، كما يأتي قريبًا.
(الرابع): ما نُقِل عن مالك، وهو التفصيل بين ما صِيد للمحرم قبل إحرامه يجوز له الأكل منه، أو بعد إحرامه فلا.
(الخامس): ما نُقل عن عثمان، وهو التفصيل بين ما يصاد لأجله من المحرمين، فيمتنع عليه، ولا يمتنع على محرم آخر.