[فإن قلت]: لِمَ طوّل المصنّف رحمه الله تعالى هذا الإسناد، ولم يختصره بقوله:"حدثنا منصور بن أبي مُزاحِم، ومحمد بن جعفر بن زياد، قالا: حدثنا إبراهيم بن سعد"؟.
[قلت]: إنما سلك المصنّف مسلك التطويل؛ إشارةً إلى صناعة حديثيّة التي طالما تميّز بها هو عن غيره من مَهَرَة الحديث حتى عن البخاريّ إمام هذا الفنّ رحمه الله تعالى، فقد اشتمل صنيعه هذا على ثلاثة أمور:
(أحدها): أن شيخه منصورًا حدثه مع غيره، ولذا قال:"وحدثنا منصور … إلخ"، وأما شيخه محمد بن جعفر، فحدّثه وحده، ولذا قال:"حدّثني محمد بن جعفر … إلخ".
(والثاني): أن منصورًا أخذه عن شيخه بالسماع، ولذا قال:"حدّثنا إبراهيم"، وأما محمد بن جعفر، فأخذه بالقراءة، ولذا قال:"أخبرنا إبراهيم".
(والثالث): أن منصورًا نسب شيخه إلى أبيه، فقال:"حدّثنا إبراهيم بن سعد"، وأما محمد بن جعفر، فلم ينسبه، بل قال:"أخبرنا إبراهيم"، ولذا احتاج المصنّف إلى زيادة "يعني"، فقال:"يعني ابن سعد"، وقد سبق أن نَبَّهْتُ على هذه القاعدة غير مرّة، ولا سيّما في "شرح المقدّمة"، فراجعه تستفد، والله تعالى وليّ التوفيق.
والصحابيّ تقدّم الكلام فيه قريبًا، والله تعالى أعلم.
شرح الحديث:
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه - أنه (قَالَ: سئلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) أُبهِم السائل، وهو أبو ذرّ - رضي الله عنه -، قاله في "الفتح".
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي في هذا نظر؛ لأن حديث أبي ذرّ - رضي الله عنه - مخالف لهذا الحديث، كما سيأتي بعدُ، فتأمله، والله تعالى أعلم.
(أَيُّ الْأَعْمَالِ أفضَلُ؟) ولفظ البخاريّ: "أيّ العمل أفضل" بإفراد العمل، وفي رواية الترمذيّ:"أي الأعمال خير".
و"أَيّ " هنا استفهاميّة، ولا تُستعمل إلا مضافةً، وهي هنا مضافة إلى الأعمال، و"أفضل" اسم تفضيل من فضَلَ يفضُلُ من باب نصر، ويقال: فَضِلَ