للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَفْضَلُ، من باب سَمِعَ يَسْمَعُ، حكاها ابن السّكّيت، وفيه لغة ثالثةٌ، فَضِلَ يَفْضُل بكسر العين في الماضي، وضمّها في المضارع، وهي من باب تداخل اللغتين، وليست لغة مستقلّةً، يقال: فضَلَ فَضْلًا: زاد، والفضل والفضيلة: الخير، وهو خلاف النّقْص والنقيصة (١).

[فإن قلت]: إن أفعل التفضيل لا يستعمل إلا بأحد الأوجه الثلاثة: الإضافة، واللام، و"من"، فلا يقال: زيد أفضل، فكيف جاز هنا؟.

[أجيب]: بأنه يجوز استعماله مجرّدًا إذا عُلِمَ، نحو "الله أكبر"، أي أكبر من كلّ شيء، ومنه قوله تعالى: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: ٧]، وقوله: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة: ٦١] الآية (٢)، والله تعالى أعلم.

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("إِيمَانٌ بِاللَّهِ") برفع "إيمان" على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أي هو إيمان بالله، قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: هذا يدلّ على أن الإيمان من جملة الأعمال، وهو داخل فيها، وهو إطلاق صحيح لغةً وشرعًا، فإنه عمل القلب وكسبه، وقد بيّنّا أن الإيمان هو التصديق بالقلب، وأنه منقسم إلى ما يكون عن برهان، وعن غير برهان، ولا يُلتفتُ لخلاف من قال: إن الإيمان لا يُسمّى عملًا؛ لجهله بما ذكرناه، ولا يخفى أن الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال كلّها؛ لأنه متقدّم عليها، وشرطٌ في صحّتها، ولأنه من الصفات المتعلّقة، وشرفها بحسب متعلّقاتها، ومتعلّق الإيمان هو الله تعالى، وكتبه ورسله، ولا أشرف من ذلك، فلا أشرف في الأعمال من الإيمان، ولا أفضل منه انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: "وقد بيّنّا أن الإيمان هو التصديق بالقلب" فيه ما تقدّم غير مرّة أن الحقّ أن الإيمان ليس مجرّد التصديق القلبيّ فقط، بل يتناول الأعمال أيضًا، فتنبّه لذلك، وراجع لذلك كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، فإنه قد ردّ على من زعم أن الإيمان هو مجرّد التصديق، وأطال النفس في ذلك، وناقش القائلين بذلك، وغلّطهم، وبيّن أن الإيمان في


(١) راجع: "المصباح المنير" ٢/ ٤٧٥ - ٤٧٦.
(٢) راجع: "عمدة القاري" ١/ ١٨٨.
(٣) "المفهم" ١/ ٢٧٥.