وقد أورد البخاريّ حديث كعب هذا في أربعة أبواب متوالية، وأوردها أيضًا في "المغازي"، و"الطبّ"، و"كفّارات الأيمان" من طرق أخرى، مدار الجميع على ابن أبي ليلى، وابن معقل، فيقيّد إطلاق أحمد بن صالح بالصحة، فإن بقية الطرق التي ذكرتها لا تخلو عن مقال، إلا طريق أبي وائل، وسأذكر ما في هذه الطرق من فائدة زائدة - إن شاء الله تعالى. انتهى كلام الحافظ رَحِمَهُ اللهُ.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: وسأذكر أنا أيضًا في هذا الشرح ما ذكره الحافظ من الفوائد في شرحه، فإن شرحي هذا نسخة من شرحه رَحِمَهُ اللهُ مع ما يفتح الله تعالى عليّ فيه من غيره، ولذا كثيرًا ما أقول: لولا فتح الباري ثم "فتح الباري"(١) ما قضيت أوطاري.
(عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ - رضي الله عنه -) أنه (قَالَ: أتى عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ) أي: زمن صلح الحديبية، وفي رواية:"أن رسول ألله - صلى الله عليه وسلم - وقف عليه، ورأسه يتهافت قملًا"، وفي رواية:"أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مرّ به، وهو بالحديبية"، وفي رواية:"أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ادنه، فدنوت، فقال: ادنه، فدنوت"، وفي أخرى:"فحُملت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ما كنت أرى أن الجهد بلغ منك ما أرى"، وفي أخرى: لأ أنه خرج مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - محرمًا، فقمل رأسه، ولحيته، فبلغ ذلك النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فأرسل إليه، فدعا الحلّاق، فحلق رأسه".
والجمع بين هذا الاختلاف أن يقال: مرّ به أولًا، وهو يوقد تحت قدر، فرآه على تلك الصورة رؤية إجمالية عن بُعْد يسير، وقال: أتؤذيك هوامّك هذه؟ ولكنه لم يقدّر قَدْر ما بلغ به من الوجع الشديد، ثم بلغه ما هو فيه من البلاء، وشدّة الأذى، فأرسل إليه، واستدعاه، حتى أتاه محمولًا، فاستدناه، فدنا، كما في رواية ابن عون، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى الآتية، وحك رأسه بإصبعه الكريمة، كما في رواية أبي وائل، عن كعب، عند النسائيّ، فخاطبه، وقال له:
(١) فتح الباري الأول هو ما يفتح الله، عليّ من الفوائد العلميّة، والثاني هو الكتاب المشهور للحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ.