(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في موضع الفدية المذكورة:
(اعلم): أنهم اختلفوا في ذلك، فقال عطاء: ما كان من دم فبمكة، وما كان من طعام، أو صيام فحيث شاء، وبنحو ذلك قال أصحاب الرأي، وعن الحسن: أن الدم بمكة، وقال طاوس، والشافعيّ: الإطعام والدم لا يكونان إلا بمكة، والصوم حيث شاء؛ لأن الصيام لا منفعة فيه لأهل الحرم، وقد قال الله سبحانه وتعالى:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}[المائدة: ٩٥]، رفقًا لمساكين جيران بيته، فالإطعام فيه منفعة، بخلاف الصيام، والله أعلم.
وقال مالك: يفعل ذلك أين شاء، وهو الصحيح من القول، وهو قول مجاهد، والذبح هنا عند مالك نُسُك، وليس بهدي؛ لنص القرآن والسنة، والنسك يكون حيث شاء، والهدي لا يكون إلا بمكة (١).
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما قاله الأولون من أن الدم يتعيّن كونه بمكة هو الأرجح، لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صحّ عنه أنه سمّاه هديًا، فقد وقع في رواية البخاريّ:"أو تُهد شاةً"، وفي رواية لمسلم:"وأهد هديًا"، وفي رواية للطبرانيّ:"هل لك هدي؟ "، قاله في "الفتح"، وقد قال الله تعالى:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}، فالحقّ ما قالوه من تعيّنه بمكة، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج رَحِمَهُ اللهُ المذكور أولَ الكتاب قال: