للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في كل الأمصار، وفتواهم، وبالله تعالى التوفيق. انتهى كلام ابن عبد البرّ رَحِمَهُ اللهُ، وهو بحثٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في الإطعام في فدية الأذى:

(اعلم): أنهم اختلفوا في ذلك، فقال مالك، والشافعيّ، وأبو حنيفة، وأصحابهم: الإطعام في ذلك مُدّان بمدّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (١)، وهو قول أبي ثور، وداود.

ورُوي عن الثوريّ أنه قال: في الفدية من البرّ نصف صاع، ومن التمر والشعير والزبيب صاع، ورُوي عن أبي حنيفة أيضًا مثله، جَعَل نصف صاع برّ عدل صاع تمر.

قال ابن المنذر: وهذا غلطٌ؛ لأن في رواية مسلم من طريق أبي قلابة عن ابن أبي ليلى، عن كعب أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال له: "أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين".

وقال أحمد بن حنبل مرةً كما قال مالك، والشافعيّ، ومرةً قال: إن أطعم بُرًّا فمُدّ لكل مسكين، وإن أطعم تمرًا فنصف صاع. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: الأرجح هو ما قاله الأولون من أن الواجب مُدّان لكل مسكين؛ لوضوح النصّ فيه، وأما المخالفون له، فلم يأتوا بحجة مقنعة، فتبصّر.

[تنبيه]: لا يجزئ أن يُغَدِّي المساكين، ويُعَشِّيهم في كفارة الأذى حتى يعطي كل مسكين مُدّين بمد النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وبذلك قال مالك، والثوريّ، والشافعيّ، ومحمد بن الحسن، وقال أبو يوسف: يجزيه أن يغدِّيهم ويُعَشِّيهم (٢)، وهو مخالف لظاهر النصّ، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) قدّر العلماء المعاصرون الصاع النبويّ بالمعيار المعاصر، فقال الشيخ البسّام رَحِمَهُ اللهُ في "توضيح الأحكام" ٣/ ٧٨: الصاع النبويّ (٢٥٠٠) غرامًا من الحنطة الرزينة الجيّدة. انتهى.
(٢) "الجامع لأحكام القرآن" ٢/ ٣٨٤.