وكذلك روي عن الحسن، وعن بعض السَّلف: أن الإطعام لعشرة مساكين، والصيام عشرة أيام، ولم يتابعوا عليه. واتفق غير هؤلاء وكل من جاء بعدهم: على إطعام ستة مساكين، وصيام ثلاثة أيام.
قال القرطبيّ: وتلك الأقوال كلها مخالفة لنص الحديث المتقدم، وهو حجة على كل من خالفه.
قال: ويستوي عندنا لزوم الفدية في حق العامد، والناسي، والمخطئ، وخالف في الناسي الشافعي في أحد قوليه، وداود وإسحاق؛ فقالا: لا دم عليه. انتهى كلام القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في الصوم والإطعام في فدية الأذى:
قال الإمام ابن عبد البرّ رَحِمَهُ اللهُ: كل من ذَكَر النسك في هذا الحديث مُفَسَّرًا فإنما ذكره بشاة، وهو أمر لا خلاف فيه بين العلماء، وأما الصوم والإطعام فاختلفوا فيه، فجمهور فقهاء المسلمين على أن الصوم ثلاثة أيام، وهو محفوظ صحيح في حديث كعب بن عجرة - رضي الله عنه - هذا.
وجاء عن الحسن، وعكرمة، ونافع أنهم قالوا: الصوم في فدية الأذى عشرة أيام، والإطعام عشرة مساكين، ولم يقل أحد بهذا من فقهاء الأمصار، ولا أئمة الحديث، وقد جاء من رواية أبي الزبير، عن مجاهد، عن عبد الرحمن، عن كعب بن عُجرة، أنه حدّثه أنه كان أهلّ في ذي القعدة، وأنه قَمِلَ رأسه، فأتى عليه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو يوقد تحت قِدْر له، فقال له:"كأنك يؤذيك هوام رأسك؟ " فقال: أجل، قال:"احلق، وأهد هديًا"، فقال: ما أجد هديًا، قال:"فأطعم ستة مساكين"، فقال: ما أجد، قال:"صم ثلاثة أيام".
قال ابن عبد البرّ: كان ظاهر هذا الحديث على الترتيب، وليس كذلك، ولو صح هذا كان معناه الاختيار أوّلًا فأولًا، وعامة الآثار عن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - وردت بلفظ التخيير، وهو نصُّ القرآن، وعليه مضى عمل العلماء