فتبيّن بهذا أن "وسَط" هنا نُصب على أنه مفعول به، وليس منصوبًا على الظرفية.
وقال النوويّ رحمه الله:"وسط الرأس" - بفتح السين - قال أهل اللغة: كلُّ ما كان يَبِين بعضه من بعض، كوسط الصفّ، والقِلادة، والسُّبْحة، وحَلْقة الناس، ونحو ذلك، فهو وَسْط بالإسكان، وما كان مُصْمَتًا لا يَبِين بعضُه من بعض؛ كالدار، والساحة، والرأس، والراحة، فهو وَسَطٌ بفتح السين، قال الأزهريّ، والجوهريّ، وغيرهما: وقد أجازوا في المفتوح الإسكان، ولم يجيزوا في الساكن الفتح. انتهى (١).
وقال في "الفتح": قوله: "وسط رأسه" بفتح السين المهملة، ويجوز تسكينها؛ أي: متوسطه، وهو ما فوق اليأفوخ، فيما بين أعلى القرنين. قال الليث: كانت هذه الحجامة في فأس الرأس. وأما التي في أعلاه، فلا؛ لأنها ربما أعمت.
[تنبيه]: روى البخاريّ رحمه الله هذا الحديث بلفظ: "احتجَم النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ مُحْرِمٌ بِلَحْي جَمَلٍ في وسط رأسه".
قالَ في "الفتح": وهو بفتح اللام، ويجوز كسرها، وسكون الحاء المهملة، وياء مثنّاة تحتيّة، وفي بعض الروايات:"بِلَحْيَيْ جَمَل" أي: بياءين بصيغة التثنية، و"جَمَل" - بفتح الجيم، والميم -: اسم موضع بطريق مكة، كما بيّنه هنا، قال الحافظ: ذكر البكريّ في "معجمه" في رسم العقيق، قال: هي بئر جمل التي ورد ذكرها في حديث أبي جهم في "التيمم"، وقال غيره - يعني ابن وضاح - هي عقبة الجحفة على سبعة من السُّقيا. انتهى.
وقال صاحب "القاموس": "لَحْيُ جمل": موضع بين الحرمين، وإلى المدينة أقرب، وزعم أن السقيا - بالضم -: موضع بين المدينة، ووادي الصفراء، وما ظنه بعضهم من أن المراد بلحي جمل أحد فَكَّي الجمل الذي هو ذكر الإبل، وأن فكّه كان هو آلة الحجامة؛ أي: احتجم بعظم جمل، فهو غلط، لا شكّ فيه.